14‏/1‏/2017

بدائل وأفكار أخرى لتطوير أداء مدافع الدبابات .

بدائــــــل وأفكــــــار أخــــــرى لتطويــــــر أداء مدافــــــع الدبابــــــات

التوجه نحو زيادة العيار وبالتالي تحقيق طاقة فوهة أعلى رافقته العديد من المعضلات التقنية والعملياتية ، ربما كان أبرزها صعوبة تناول وحمل ذخيرة هذه الأسلحة بسهولة نسبية . فذخيرة العيار 140 ملم التي ظهرت في الغرب بعض نماذجها ، كانت كبيرة وثقيلة جداً للتداول اليدوي ، حيث تراوح وزن القذيفة ما بين 38-40 كلغم ، وطولها بلغ نحو 1.5 م . لذا كان لابد من البحث عن بعض الحلول الناجعة ، أحدها كان باعتماد أنظمة التلقيم الآلي auto-loading . لكن دراسات أكثر طموحاً كانت تتحدث في إحداها عن استبدال شحنات الدافع الصلبة التقليدية solid propellant بأخرى من النوع السائل liquid propellants . هذا النوع من شحنات الدافع كان يمكن أن يوصل من حاوياته الخاصة بواسطة أنابيب مباشرة إلى عقب المدفع . ففكرة عمل هذا النوع من الدوافع قائمة على حقنه مباشرة في حجرة احتراق السلاح لتتولى شرارة كهربائية بعد ذلك مهمة إشعاله وتحويله إلى غازات عالية الضغط ، تدفع المقذوف للخارج من فوهة السلاح بسرعة مرتفعة جداً  في نفس الوقت ، ظهرت ميزة الكثافة الأعظم للدوافع السائلة وكذلك الأفضلية النسبية لاعتماد عناصر الشكل وموقع حاويات التغذية لانجاز تخفيضات هامة ومجزية في السعة الداخلية internal volume للدبابات وبالتالي في حجمهم وذلك مقارنة باستخدام شحنات الدافع الصلبة التقليدية . أيضاً شحنات الدافع السائلة عند تجربتها ، كانت منعدمة الدخان تقريباً مما خفض عملياً من فرص رصد وكشف مصدر النيران . الاختبارات أظهرت أيضاً أن استخدام هذا النوع من الشحنات يزيد من معدل ووتيرة النيران لنحو 2-3 مرات مقارنة بالدوافع الصلبة . كما أمكن معها تعديل مدى الرمي ، ليس عن طريق خفض أو رفع زاوية السلاح فحسب ، بل عن طريق تعيين كمية أو جرعة الشحنة السائلة عند الإطلاق .. تطوير شحنات الدافع السائلة والمدافع العاملة بها بدأت أواخر الأربعينات في الولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك بالاستفادة من التقدم الذي أحرزه الألمان خلال الحرب العالمية الثانية في تطبيق الدوافع السائلة لمحركات دفع وتسيير صواريخهم البالستية . الاختبارات الأمريكية قادت لتطوير مدفع تجريبي من عيار 90 ملم يعمل بحشوة دفع سائلة ، وأجريت التجارب عليه أولاً العام 1951 . لكن النتائج التي تم الحصول عليها وكذلك الأمر مع دوافع سائلة أخرى لمدافع أكبر قطراً وبحدود 120 ملم أظهرت أداء متذبذب ومتباين ، لدرجة أن الدافع السائل لم يعرض أي فائدة رئيسة في الأداء مقابل الدوافع الصلبة . علاوة على ذلك ، شحنات الدافع السائلة المستخدمة في المدافع المبكرة العاملة بهذه التقنية ، كانت تتصف بأنها شديدة التآكل والسمية highly corrosive/toxic ، مما تطلب معالجة خاصة للتناول . لذا لم يكن من المستغرب بعد العديد من الدراسات البحثية والاختبارات التي أجريت منتصف الستينات في الولايات المتحدة على المدافع العاملة بالدوافع السائلة أن تنتهي دون نتيجة مثمرة .
مصير مماثل واجه العمل على مدافع بشحنات دافع سائلة في بريطانيا. الجهد البريطاني بدأ في العام 1952 ، وبعد مرور سنة تقريباً هو قاد إلى صناعة مدفع تجريبي مستند على نسخة مدفع دبابات معاصر من عيار 83.8 ملم . هذا المدفع استخدم حمض النتريك الدخاني الأحمر HNO3 كجزء من مزيجه الدافع والذي كان بطبيعة الحال مادة كيميائية شديدة التآكل والحت Corrosive Chemicals ، مما ساهم آنذاك بشكل مثير في تبديد الأفكار حول الأسلحة بشحنات الدافع السائلة التي ستسلح دبابات المستقبل . مع بداية السبعينات تجدد الاهتمام الغربي بشحنات الدافع السائلة ، عندما طورت القوة البحرية الأمريكية دافع سائل أحادي monopropellant لصالح الطوربيدات ، الذي بالإضافة إلى كثافته العالية ، هو عرض مميزات رائعة ، مثل سمية أقل low toxicity ، قابلية اشتعال أدنى low flammability واستعداد أو ميل أكثر انخفاضاً نحو الانفجار . محاولة عمل أنجزت خلال منتصف السبعينات لاستغلال واستثمار ملكيات الدافع السائل الأحادي الجديد في التحميل الحجمي عالي السرعة bulk-loaded high-velocity لصالح مدفع من عيار 75 ملم مع دافع سائل والذي بدوره شكل جزء من برنامج أمريكي لتطوير العربات خفيف الحركة . لكن هذه المبادرة أيضاً واجهت مصاعب تقنية وانتهت بنتائج كارثية . الاهتمام وجه بعد ذلك نحو استعمال تقنية الدافع السائل الأحادي في المدافع العاملة بشحنات سائلة مع الحقن أو التغذية المتجددة regenerative injection أثناء دورة الاحتراق ، التي بدأت فيها العمل شركة جنرال إلكتريك في الولايات المتحدة العام 1973 . وفي العام 1977 وصل هذا العمل لمرحلة متطورة مع تقديم المدفع التجريبي العامل بشحنات دافع سائلة من عيار 105 ملم ، ثم بعد ذلك بعشرة سنوات بدأت دراسات استعمال المدافع العاملة بشحنات سائلة مع التغذية المتجددة في الدبابات . على أية حال ، هذه الدراسات أهملت في العام 1991 لأن الجيش الأمريكي وصل إلى قناعة مفادها أن تلك الدوافع السائلة قد تكون أكثر ملائمة إلى سلاح المدفعية منها إلى مدافع الدبابات . 

هناك 5 تعليقات:

  1. السلام عليكم أستاذ أنور...أستاذي هل يمكن إعتبار أجور تشغيل هكذا منظومة مدفعية والأخذ بالحسبان الدورة الانتاجية المكتملة للذخيرة محليا ومن مواد متاحة محليا أيضا أحد أسباب عدم التعويل على هكذا تطويرات للحشوات الدافعة....فمثلا أستاذي..معروف أن أمريكا أحد أهم منتجي القطن وحتى أنها من بين أهم الدول المصدرة له وهذا الاخير يدخل في صناعة النيتروسيليلوز،بعكس الفرنسيين مثلا الذين يعتمدون على نترجة القطن بشكل أساسي في صناعة جل ذخائرهم من حشوات مدافع ووقود صواريخ صلب!لكنهم رغم كل هذا فهم يستوردون القطن ولا ينتجونه..وفي الحقيقة انه تم رصد سعي الكثير من الجيوش من غير جيوش الدول العضمى لامتلاك دورة إنتاجية مكتملة للذخائر محليا ودون الاعتماد على إستراد المكونات من الخارج كباكستان ومتفجرات sovex والجزائر وشراكتها الاخيرة مع مؤسسات صربية لتأهيل معامل الدفاع وبالاخص إنتاج حشوات ومستلزمات المقذوفات

    ردحذف
    الردود
    1. في الحقيقة أخي الكريم هذا النوع من الدوافع لم يكتب له النجاح حتى الآن ولأسباب عديدة !! إذ أن استخدام هذا النوع من شحنات الدافع واجه منذ البداية العديد من المصاعب التقنية والفنية ، أحدها أن جميع السوائل المناسبة لتلك العملية هي من النوع المتطاير Volatility (ميل أسرع نحو التبخر) ومسببة للتآكل وخطر التعامل معها . أمر آخر يتعلق بكتلة مغلاق المدفع gun breech التي يجب أن تكون من نوع وترتيب خاص لتوفير الغلق المحكم . أيضاً لوحظ أن اشتعال مزيج السائل يستمر بشكل غير منتظم ، مما يؤدي إلى قياسات ضغط مرتفعة جداً وغير مقبولة في حجرة الاحتراق ، ناهيك عن صعوبة قياس وتعيين كمية السوائل المطلوبة لعملية الاحتراق .. في الغرب ، الدراسات أهملت في العام 1991 لأن الجيش الأمريكي وصل إلى قناعة مفادها أن تلك الدوافع السائلة وبسبب النواقص سابقة الذكر وغيرها ، قد تكون أكثر ملائمة إلى سلاح المدفعية منها إلى مدافع الدبابات . بالنتيجة ، الأوامر صدرت لتطوير مدفع هاوتزر من عيار 155 ملم يعمل بتقنية الدافع السائل ، الذي تم تصنيعه واختباره في عمليات أطلاق النار حيه . على أية حال ، السلاح الجديد واجه مرة أخرى مشاكل في جزئية البالستي الداخلي interior ballistics (سلوك المقذوف الداخلي لدي حركته في سبطانة السلاح وحتى خروجه من الفوهة) ومعها توقف العمل نهائياً على مدافع الشحنات السائلة في الولايات المتحدة العام 1996 .

      ومن المفيد التوضيح هنا أنه قبل نهاية العمل على المدافع العاملة بتقنية الدافع السائل في الغرب ، كان هناك دراسات أخرى حول بديل محتمل لشحنات الدافع الصلبة ، ونقصد بذلك المدافع الكهرومغناطيسية electromagnetic guns . لقد عرضت هذه التقنية إمكانية تحقيق سرعات عالية جداً للمقذوفات ، وبالتالي انجاز اختراقات أعظم في دروع الدبابات مع احتمالية أكبر لإصابة الأهداف المتحركة ، الأمر الذي جعلهم خيار جذاب جداً لتسليح دبابات المستقبل .. الأمر لم يكتب له النجاح أيضاً لأسباب تقنية وفنية !!

      حذف
    2. شكرا جزيلا على هذا الشرح أستاذي

      حذف
  2. عندى سؤال ايه الدروع الى ممكن تتصدى للقذائف الفراغيه اقصد المضاده للدبابات

    ردحذف
    الردود
    1. الرؤوس الحربية لعموما لمقذوفات المضادة للدروع لا تستخدم شحنات فراغية كما تفضلت بل شحنات مشكلة shaped charge .. الدروع التفاعلية المتفجرة أثبتت حتى الآن جدواها لمواجهة هذا النوع من الشحنات .

      راجع الرابط التالي لمزيد من الفائدة :
      http://anwaralsharrad-mbt.blogspot.ae/2016/06/blog-post_92.html

      حذف