11‏/12‏/2016

المدافع عديمة الإرتداد تعود للمشهد من جديد .

مدافــع قديمــة بإستخدامــات حديثــة !!
المدافـــــع عديمـــــة الإرتـــــداد تعـــــود للمشهـــــد مـــــن جديـــــد

ظل مصممو المدافع يبحثون طويلا عن حل للمعادلة الصعبة والتي تتركز في التوصل إلى صنع مدفع مضاد للدبابات مؤثر ، يطلق قذائف ثقيلة تطير بسرعة عالية ولكن من دون أن تحدث ارتداداً recoilless قوياُ على المدفع وطاقمه ، وبالفعل فقد كان ارتداد المدفع ، يشكل دائماُ المشكلة الرئيسة بالنسبة إلى المصمم ، فكلما تطلب الأمر إنجاز قوة أكبر ، فإن قوة المدفع ووزنه وحجمه تزداد تبعاً لذلك ، وهذا بدورة يشكل صعوبة جديدة . لذلك أصبحت الحاجة ملحة إلى تصميم سلاح مضاد للدبابات خفيف الوزن ، يمكنه في الوقت ذاته إطلاق قذيفة قوية بسرعة ابتدائية عالية ، تمكنها من اختراق دروع سميكة وبخاصة بعد اختراع أملاح البارود التي لا ينتج عنها دخان ، وفي نفس الوقت تولد قوة دفع هائلة . لقد بدا لهؤلاء المصممين ، أن الحل الطبيعي لمشكلة الارتداد تكمن في وضع مدفعين متضادي الاتجاه وإطلاقهما في نفس الوقت ، لأن ارتداد احدهما سوف يعادل ارتداد المدفع الثاني تماماً ، وبذلك تنعدم قوة الارتداد نهائياً ، لكن بالتأكيد هذا لم يكن حلاً منطقياً أو مقبول . 
وأستمر العسكريون ولمدة طويلة في انجذابهم لفكرة إلغاء الارتداد ، وقد جاء النجاح الأول مع القائد البحري الأمريكي "كليلاند ديفس" Cleland Davis الذي قام العام 1912 بعمل سلاح يتكون من غرفة نار واحدة مرتبطة بسبطانتين متعاكستين ، حملت السبطانة الأولى القذيفة ، في حين يتم تعبئة السبطانة الثانية بوزن مكافئ من الشحم والقطن . وعند انفجار القذيفة المركزية ، يتم لفظ ejected كلتا الأحمال . ولكون الارتداد عنده نفس الكتلة والسرعة ، فقد ألغى أحدهم الآخر وسبطانة السلاح بقت ثابتة . المبدأ هو البساطة بحد ذاتها ، فلكل فعل ردة فعل مساوية لها في القوة ومضادة لها في الاتجاه (قانون نيوتن الثالث) ، وفي مدفع تقليدي يعبر هذا المبدأ عن نفسه بالارتداد ، ولكن ماذا لو كانت السبطانة مفتوحة النهايتين ، وأن قوة دفع القذيفة ، تطلق من إحدى النهايتين في حين تطلق القذيفة من الأخرى ، فلن يحدث ارتداد .
فكرة Davis تم تبنيها العام 1915 من قبل القوة الجوية الملكية البريطانية لتسليح الطائرات ، ضد المناطيد والغواصات ، ولكن هذه الأسلحة لم تسجل نجاح يذكر . وخلال حقبة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي ، جرت محاولات لاستبدال الكتلة الصلبة التعويضية ، بهروب الغازات الدافعة من خلال صمام التنفيس ventilator وذلك لمنع الارتداد وتحقيق التوازن عند الرمي . وتم تحقيق نجاحات باهرة في مجال التخلص من آلية الارتداد الثقيلة والتي تتطلبها المدافع التقليدية . هكذا فإن القذيفة عندما تطرد من فوهة السبطانة ، وبدلاً أن يتبعها عصف مادة الدافع والغازات الساخنة الخارجة خلفها ، فإن جزء كبير من هذا العصف يخرج من الجهة الخلفية للسلاح ، وذلك لتحقيق زخم توجيه خلفي مساو ومعادل لزخم الاندفاع الأمامي للقذيفة .  لقد كان العائق الأكبر الذي واجه المصممين كان وجوب إدخال شحنة دافعة أكبر بكثير مما هو مطلوب لسلاح تقليدي آخر مماثل ، وذلك بسبب توزيع ضغط الانفجار في اتجاهين متعارضين ، وبسبب الحاجة للسماح بخروج نحو أربعة أخماس الغاز الدافع من الجهة الخلفية للسلاح (أو ما يسمى بالعصف الخلفي black blast) لموازنة الارتداد وتحقيق كتلة المعادلة .

يبلغ وزن المدافع عديمة الارتداد نصف وزن المدافع التقليدية الأخرى ، بحيث جرى اعتمادها كأسلحة خفيفة مضادة للدروع محمولة على الأكتاف ، أو مثبتة على سيارات الجيب الخفيفة ، إلا أنه يعاب عليها إصدارها لصوت مرتفع جداً نتيجة الاندفاع السريع للغازات الخلفية (ينصح معها بارتداء سدادات إذن) مما يقلل اعتمادها كسلاح رئيس في بعض التضاريس ، كالحضرية على سبيل المثال . وعلى خلاف القاذفات الكتفية ، التي تطلق صواريخ مستقرة بزعانف ، من سبطانات ملساء smooth bore ، فإن الأسلحة أو المدافع عديمة الارتداد تشتمل على سبطانات محلزنة rifled ، وذخيرتها مشابهة لذخيرة المدفعية التقليدية ، من حيث طريقة العمل في جوف السبطانة (تكتسب القذيفة استقرارها من الدوران المغزلي في قلب السبطانة) ، فهي لا تواصل الاحتراق بعد خروجها من سبطانة السلاح كما هو الحال مع المقذوفات الصاروخية .
الصور المرفقة بالموضوع تعرض إطلاق مدفع عديد الإرتداد من نوع SPG-9 تجاه هدف لقوات النظام السوري وتدميره !! في الحقيقة هذا السلاح الروسي تم تطويره من قبل الإتحاد السوفييتي وتم تبنيه في العام 1963 . قصة بداية هذا السلاح كانت مع الرغبة السوفييتية لاستبدال المدفع الأقدم عديم الارتداد B-10 الذي أدخل الخدمة العام 1954 . السلاح B-10 كان من عيار 82 ملم ، وقد تم إعداده للعمل مع وحدات المشاة السوفييتية infantry units وبشكل رئيس لمواجهة ومقاتلة العربات المدرعة الغربية حتى مدى 400 م . لكن مع توفر أول صاروخ سوفييتي موجه مضاد للدبابات في بداية الستينات ، أستبدل دور السلاح B-10 المضاد للدروع من وحدات المشاة الآلي motorized rifle ونقل لخدمة القوات السوفييتية المحمولة جواً (المدفع في الأساس كان ثقيل الوزن وصعب النقل من قبل أفراد المشاة وقابلية اختراقه لم تتجاوز 200-250 من التصفيح الفولاذي) . تم الايعاز لمكتب التصميم GSKB-47 (الآن Basalt) في موسكو لقيادة مشروع تطوير سلاح جديد مضاد للدبابات . القيادة السوفييتية حددت آنذاك متطلباتها التكتيكية التقنية في مدفع لا يتجاوز وزنه الكلي عن 30 كلغم ، وقابلية اختراق في تصفيح الدروع حتى 300 ملم ، بالإضافة إلى الحاجة لضمان بساطة السلاح وسهولة صيانته . لقد كان يفترض بالسلاح أن يكون قادراً على العمل والرمي لخمسة أيام متتالية دون الحاجة لتنظيف سبطانته (حد أدنى من 35 طلقة) . العمل التصميمي على المشروع حمل التعيين الرمزي "الرمح" Spear واستكمل في العام 1962 لتبدأ الاختبارات العملية على السلاح ومنصته المتكاملة . 
اهتم المصممين السوفييت بتطوير نوعين من الذخائر لصالح السلاح SPG-9 ، هما شديد الانفجار المتشظي FRAG-HE ، وشديد الانفجار المضاد للدبابات HEAT . هذه المقذوفات من النوع المثبت بزعانف أو أنصال مع دافع صاروخي مساعد بوقود صلب بالنسبة للنوع المضاد للدبابات . ذخيرة السلاح SPG-9 مشابهه لتلك المطلقه من المدفع منخفض الضغط 2A28 Grom عيار 73 ملم الخاص بالعربة المدرعة الشهيرة BMP-1 ، لكنها هنا تحمل التعيين PG-15V .  
المدى الفعّال للمقذوفات المتشظية المضادة للأفراد يمكن أن يبلغ 1000 م ، والأقصى يصل حتى 4500 م ، خصوصاً مع استخدام نمط التصويب غير المباشر . المقذوف المتشظي القياسي الذي يحمل التعيين OG-9 مجهز بعدد ثمانية زعانف مضلعة من أجل الاستقرار ، كما أن رأسه الحربي مزود بصمام تصادمي من نوع GO-2 ومتفجرات من نوع TNT زنتها 735 غرام . يبلغ وزن هذا المقذوف 3.6 كلغم ، في حين أن وزن القذيفة بالكامل يبلغ 5.5 كلغم ، وهو غير مزود بمحرك دفع صاروخي ، علماً أنه يحقق سرعة فوهة من 316 م/ث . أما بالنسبة للمقذوفات شديد الانفجار المضاد للدبابات فإن مداها المؤثر يبلغ 800 م (متوسط الانحراف في ظروف مثالية مقدر بنحو 0.43 متر) في حين المدى الأقصى يصل إلى 1200 م . النوع القياسي المضاد للدبابات يحمل التعيين PG-9 ويمتلك سرعة فوهة من 435 م/ث . يبلغ وزن هذا المقذوف 2.6 كلغم ، في حين أن وزن القذيفة بالكامل يبلغ 4.4 كلغم . الرأس الحربي للمقذوف المضاد للدبابات يشتمل في تركيبه على 0.322 كلغم من متفجرات الهكسوجين hexogen ، التي تتيح له قابلية اختراق حتى 300 ملم في التصفيح الفولاذي المتجانس . النسخ الأحدث من الذخيرة مثل PG-9VS حققت قابلية اختراق حتى 400 ملم في صفائح الفولاذ (جرى تطوير مقذوف ثنائي الرؤوس هو PG-9VNT مع مدى فعال حتى 700 م ، وقابلية اختراق للفولاذ من 550 ملم أو 400 ملم بعد تجاوز قرميد الدرع التفاعلي المتفجر) .
المدفع SPG-9 مجهز في الجهة اليسار من سبطانته بمنظار تصويب بصري من نوع PGO-9 بقوة تكبير 4× ومجال رؤية حتى 10 درجات . وللرؤية في الظلام ، يمكن تجهيز السلاح بتشكيلة من مناظير الرؤية الليلية السلبية من نوع PGN-9 وSPG-9M وغيرها . هو سهل الحمل نسبياً ، حيث لا يتجاوز وزنه 47.5 كلغم ، يزداد إلى 59.5 كلغم مع حامله الثلاثي . السلاح يتم نقله عادة بواسطة عربة مدولبة ليحمل بعد ذلك إلى الموقع من قبل طاقم من فردين هما الرامي والملقم ، علماً أن طاقمه المثالي يتكون من أربعة أفراد ، هما القائد والملقم والرامي وحامل الذخيرة الإضافية (يمكن نشره وتجهيزه للرمي خلال دقيقة واحدة تقريباً ، مع معدل إطلاق نار من 5-6 طلقات في الدقيقة) . حامله الثلاثي Tripod هو من النوع القابل للطي ، ويمكن التحكم بدرجة ارتفاعه لما بين 390-700 ملم ، كما يمتلك زاوية دوران أفقية من + -15 درجة . كما يوجد نسخة مغايرة من السلاح بعجلات قابلة للفك والفصل معدة للاستخدام مع القوات المحمولة جوا ، يطلق عليها SPG-9D . السلاح في الخدمة لدى عدد كبير من القوات المسلحة ، وتشكيلة متنوعة من الذخيرة أنتجت لصالحه ، وإن كان أغلبها عبارة عن نسخ مماثلة للقذائف السوفييتية الأصلية شديدة الانفجار المضادة للدبابات والمضادة للأفراد . شهد السلاح SPG-9 أكثر من ساحة صراع ، كما شوهد في الحرب الأهلية السورية بيد مقاتلي الجيش الحر . هو متوفر بشكل كبير للميلشيات شبه العسكرية والقراصنة البحريين في منطقة القرن الأفريقي ، وكذلك في المناطق الأخرى بدرجة أقل . هو ليس شعبي كالقاذف RPG-7 لأنه يجب أن يصعد على عربة لنقله ، ولا يمكن حمله وإطلاقه بسهولة من الكتف .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق