14‏/5‏/2013

صيادي الأيائل في المدن والتضاريس الحضرية .


صيـــــادي الأيائـــــل في المـــــدن والتضـــــاريس الحضريـــــة
فـــرق قنـــص الدبابـــات وإسلـــوب العمـــل


"صيادي الأيائل" deer hunters هو المصطلح الذي أطلقه أحد القادة الروس على فرق قنص الدبابات المرتجلة التي أعدها المقاتلين الشيشانيين أثناء معركة غروزني الشهيرة ، وإقتحام العاصمة الشيشانية من قبل القوات الإتحادية في أعياد رأس السنة العام 94/1995 .. تكوين هذه الفرق جاء من أجل إفشال الهجوم الروسي وإلحاق أقصى قدر من الخسائر في قواته المدرعة .. فمن هم صيادي الأيائل ، وكيف يعملون ؟؟


ما من شك أن عملية إقتحام أي مدينة ذات تراكيب إنشائية ممتدة يجب أن يسبقه تجهيز وتنظيم للقوى المشتركة المكلفة بالعمل ، والتي يعتبر أهم ركائزها المشاة infantry والدبابات Tanks . إذ لا يمكن بحال من الأحوال إنكار وإهمال قيمة المشاة الخفيف وأفراد القوات المنظمة أثناء تفاصيل المعركة الحضرية urban combat ، فبسبب الطبيعة اللامركزية للمعركة الحضرية والحاجة للأعداد المتزايد من القوات لإجراء العمليات في التضاريس الكثيفة المضغوطة ، فإن جنود المشاة يمثلون دائماً معظم القوات المشاركة (تفتقر قوات المشاة الخفيفة عادة إلى القوة النارية الثقيلة المساندة ، الحماية ، وقابلية الحركة بعيدة المدى) . في المقابل ، تعتبر دبابات المعركة الرئيسة أدوات ثمينة للمساعدة وتوفير الدعم الناري المباشر والثقيل للقوات المهاجمة ، خصوصاً أثناء عزل منطقة الهدف والاستيلاء على موطئ قدم foothold . ومع تقدم المشاة وتحركهم لتطهير المواقع المشبوهة لأسلحة العدو المضادة للدروع وتوسيع موطئ القدم ، فإن وحدات الدبابات تتولى توفير وتقديم الدعم الأولي لهذه المواقع بنيرانها المركزة . وعند توفر الفرصة المناسبة ، تعمل الدبابات على الانتقال إلى المواقع اللاحقة مع استخدام نيرانهم لمنع تعزيزات العدو ومشاغلة قواته المتراجعة والمنسحبة withdrawing من مواقعها . ومع تزايد النيران والنيران المضادة ، فإنه يتطلب من طاقم الدبابة في هذه الظروف ، المحافظة على يقظتهم الدائمة وإدراك حجم المخاطرة .. ويتم اختيار مواقع الدبابات بحيث توفر هذه أفضل (1) غطاء إخفاء (2) ملاحظة ومراقبة (3) حقل ومجال نيران (4) مع الاحتفاظ بقدرتها على الحركة والتقهقر عند اللزوم .


وعند تحديد حقول النيران المطلوبة في الطرق والممرات ، فإن وضع الهيكل المخفي hull-down position يجب أن يختار بعناية لإكساب الغطاء وتسهيل إطلاق الدبابات نيران مدافعها المباشرة خلال الطرق . فمن تلك المواقع ، الدبابات تكون في الغالب محمية ومؤمنة ويمكن أن تتحرك لمواقع بديلة بسرعة كافية . ويتحتم على موضع الإخفاء أن يغطي ويحجب العربة حتى وقت التحرك إلى موقع الاشتباك مع الهدف . وفي الوقت الذي قد لا يتمكن فيه الطاقم من رؤية قوات العدو المتقدمة ، فإن مراقب من إحدى العربات المرافقة أو من وحدة المشاة القريبة ، يجب أن يتخفى في مبنى مجاور لإنذار الطاقم .المراقب يكتسب الهدف ويشير إلى قائد الدبابة للانتقال إلى موقع إطلاق النار firing position والمباشرة بالرمي . بعد الإطلاق ، تنتقل الدبابة إلى موقع آخر بديل لتجنب وتفادي تعريض موقعها لخطر النيران المضادة .


مع ما سبق ، لا يبدو الأمر بهذه المثالية ، إذ ارتبط عمل الدبابات والعربات المدرعة الأخرى دائماً ببعض التحديات ونواحي القصور خلال تقدمها في المناطق الحضرية ، حيث تواجه العربات المدرعة بشكلها العام احتمالات الإصابة والأضرار القاسية عندما اشتغالها في هذه التضاريس ، خصوصاً عند تواجدها بشكل مفرد ومعزول . فأفراد أطقم هذه العربات على سبيل المثال لديهم مجال رؤية وإحاطة سيئة ومحدودة خلال أدواتهم البصرية ، ويمكن إعماءهم بسهولة بأحجبة الدخان أو الغبار . كما أن الدبابات لا تستطيع رفع أو تخفيض أسلحتها الرئيسة بما فيه الكفاية لمشاغلة الأهداف القريبة جداً من العربة أو تلك الكامنة في المستوى العالي في المباني المرتفعة . وبسبب طول سبطانات مدافعهم الرئيسة ، فإن أبراج الدبابات سوف لن تستطيع الاستدارة إذا صادفت أثناء حركتها جسم صلب ، كما هو الحال مع حائط جداري أو عمود إنارة .. وهكذا . وقد يتسبب إطلاق النار الشديد لمدافع الدبابات في إحداث أضرار إضافية غير مرغوب فيها ، أو يمكن أن يتسبب في زعزعة أساسات التراكيب والإنشاءات المحيطة . وإذا كانوا معزولين أو غير مدعومين من قبل وحدات المشاة ، فإن الدبابات تكون عرضة للخطر الأبرز والأهم ، وهو صيادي العدو وفرقه القاتلة التي تتقن استخدام أسلحتها المضادة للدروع الخفيفة منها والمتوسطة .


يتكون أفراد فرق قتل الدروع من وحدات المشاة المتمرسين ، حيث يتكون الفريق المثالي في أبسط أشكاله من عنصرين أثنين ، أحدهما للهجوم assault والآخر للدعم support ، وفي حين يتولى عنصر الهجوم إطلاق الصواريخ أو المقذوفات الكتفية ، فإن عنصر الدعم يتولى توفير الدعم الناري بالرشاشة الآلية أو بندقية القنص . فرق أخرى يتكون أفرادها من أربعة رماة أو أكثر ، يصوب بعضهم وبشكل آني على نفس الهدف المدرع، في حين يتولى الآخرين عملية التغطية والدعم الناري . هم يهاجمون بقذائفهم من مديات موثوقة ، تتراوح بين 50-100 م ، بالرغم من أن الخبرات الميدانية أثبتت أنه يمكن تأمين وتحقيق إصابات ناجحة من مسافة 300 م . فرق أخرى اختبرت ، يتكون أفرادها من 8-12 مقاتلاً ، تحت قيادة شخص متمرس وصاحب خبرة وتجربة قتالية . حيث يتسلح عنصرين إلى أربعة بقاذفات كتفية مضادة للدروع ، ونحو فردين آخرين من المجموعة بمدافع رشاشة للدعم الناري والتغطية . ويمكن تحقيق المزيد من التنسيق بين الفرق المختلفة وتوزيع العمل على قطاعات المدينة ، حيث يكون التواصل عن طريق أجهزة الراديو الخفيفة . ويمكن للفرق القتالية القيام بعمليات هجومية أكثر جرأة ، مثل اختراق خطوط العدو ومهاجمة دباباته المتخلفة أو المتكدسة في تجمعات وأرتال في الخطوط الخلفية . ويخصص الهجوم قدر الإمكان للربع الخلفي من مؤخرة وأجنحة الدبابة ، فحتى مع القاذفات الكتفية شديدة الفاعلية كان يجب تركيز الإطلاقات على مواضع الضعف في عربات الخصم لتحطيمها .


ويبقى الخطر الرئيس والأكبر الذي يهدد مصير بقاء هذه الفرق ، وهو أفراد المشاة المساندين والمرافقين لدبابات المعركة الرئيسة في تقدمها . ويكلف هؤلاء عادة بحماية العربات والدبابات المتقدمة عن طريق تأمين المباني والأزقة في المدن والمناطق الحضرية . فالدعم المتبادل بين أفراد المشاة وفرق الدبابات ، يهدف سوية لجلب وكسب القوة القتالية القصوى للتأثير على قدرات العدو (يمثل المشاة عيون وآذان فريق الدبابات المتقدم) . فيعمل أفراد المشاة على تحديد وتعيين أماكن المشاغلة المثلى الخاصة بالدبابات . كما تعمل هذه القوات على المناورة على طول الطرق المغطاة والمخفية concealed routes لمهاجمة عناصر العدو ، وتوفير حماية قصوى للعربات المدرعة تجاه هجمات القوات المعادية . في هذه الأثناء ، يمكن لأفراد المشاة عند اكتشاف مواقع للعدو أو مصادفة نقاط مقاومة ، طلب نيران إسناد مستمرة وثقيلة من الدبابات ضد مواضع العدو القوية واستحكاماته strong-points (توفر الدبابات في هذه الحالة نيران إخماد وإسكات suppress fire تسمح بتطوير الموقف ، أو إجراء استطلاع قصير المدى) .


لذلك يحرص الرماة وفرق قنص الدروع على التهديف والتسديد على الدبابات المعادية التي هي خارج مدى دعم المشاة المباشر . ويتمثل أحد أشكال التأمين الذاتي والمساندة الذي توفره هذه الفرق لأفرادها ، في اصطحابها لأسلحة القناصة والمدافع الرشاشة والبنادق الهجومية (يمكنها كذلك حمل القنابل اليدوية وقنابل الدخان والألغام) . هذه المعدات والتجهيزات مهمة لحماية مطلقي القواذف الكتفية من نيران المشاة المعادي ، خصوصاً عند العمل من مواقع غير مهيأة أو محضرة مسبقاً ، بحيث يغير هؤلاء مواقعهم بعد كل رمية (تصبح هذه المتطلبات مهمة عند الإخفاق في إصابة الهدف من أول إطلاقه ، أو تواجد دعم من أي نوع للدبابات المتقدمة) وعادة ما يعمل أفراد هذه الفرق وفق مبدأ "Keep yourself hidden" أي أحتفظ بنفسك مختبئاً وبعيداً عن نظر ووسائل رصد العدو ، مع استخدام وسائل التمويه والخداع لأقصى حد . إن الظروف الميدانية تفرض في أحيان كثيرة عدم الالتزام والتقيد بسياقات الخطط المحددة أو التخطيط المنظم ، حيث يفرض الموقف التكتيكي إجراء كمين فوري وعاجل .. وهكذا تبادر المجموعة المسلحة للهجوم متى ما سنحت لها فرصة اقتناص دبابة من دبابات العدو .. وفي الغالب ، تفضل فرق قتل الدروع العمل في مجموعات تركز نيرانها على دبابة معينة ، فقذيفة واحدة لا تضمن إصابة وتدمير دبابة معركة رئيسة ، في حين عدة مقذوفات تضمن هذا الأمر لحد بعيد . وتضع التقديرات الأمريكية احتمالات الإصابة Hit probabilities لسلاح مثل RPG-7 تجاه هدف متحرك بسرعة 15 كلم/س ، وقياساته 2.25×5 م ، في حدود 100% عند مسافة 50 م ، و22% فقط لمسافة 300 م .


ولضمان بقاء ونجاة أفرادها ، تحرص فرق القتل هذه على تأمين الغطاء والتخفي ، وإبقاء ممرات للانسحاب والتقهقر من مواضع الكمين أو المواجهة عند اللزوم . كما يجب عليهم انتقاء مواضع الهجوم بدقة ، بحيث تضمن هذه تغطية أجنحة ومؤخرة أهدافهم المنشودة . وفي المدن يحرص الرماة على استغلال الأدوار العليا من المباني والإنشاءات ، وكذلك السراديب بهدف تجنب نيران مدافع الدبابات ، ونيران الرشاشات المحورية التي لا تستطيع الانخفاض أو الارتفاع عالياً بحده. التضاريس الوعرة rough terrain ، وكذلك المدن والقرى ، ليست صديقة الدبابات وأطقمها ، في حين تمتلك الدبابات السيادة والتفوق في الصحراء والسهول المكشوفة والممتدة ، ولذلك تحرص فرق قتل الدروع على العمل في التضاريس الأخرى ، حيث يكون لأفراد فرقها الدور السيادي الأبرز . في الحقيقة هم أكثر فاعلية عند العمل في التضاريس المقيدة والمحصورة ، التي توفر غطاء وإخفاء ، بحيث تجعل الأمر صعباً على الدبابة المستهدفة كشف أفراد الفريق ومشغلي الأسلحة ، فيتم اختيار مواقع الكمائن بعناية ، التي يحرص على تدعيمها وتمويهها camouflaged بغرض الإخفاء . ويمكن الاستعانة بالأغصان والأوراق النباتية ، والأعشاب الطويلة في موقع الإطلاق وبغرض الإخفاء ، بشرط أن لا تكون هذه جافة وإلا ستتسبب في حدوث حريق خلف موقعك . فكل ما هو مطلوب هو توفر رؤية واضحة للهدف ، وممر طيران غير معرقَل أو معترض لمسار القذيفة ، بحيث تستطيع هذه التوجه مباشرة لهدفها دون أن تنحرف ، أو ينفجر رأسها الحربي نتيجة ارتطامه بالأغصان والأعشاب . أما عند الرمي من الأماكن المحصورة والمغلقة ، فإنه يشترط استغلال كافة العناصر المتوفرة لتأمين التنفيس والتهوية ventilation ، وذلك بفتح الأبواب والنوافذ . ومع أن هذه لا تخفض خطر الضوضاء والضجيج المصاحب لعملية الإطلاق ، إلا أنها تساعد على تبديد حيز الغرفة الداخلي من الدخان والغبار وتبديد موجات الضغط العالي overpressure .

هناك 6 تعليقات:

  1. كلام جميل
    جزاك الله خيرا على المعلومات القيمة

    ردحذف
  2. حياك الله أخي عبدالملك .. أرجو أن تكون وجدت الموضوع مفيد وبه ما يجذب من معلومات .

    ردحذف
  3. المشكلة هو ما يسمى الأختراق المدرع لتأمين مسرع عمليات هجومي ، و90% من خسائر الدبابات في الأختراق

    ردحذف
    الردود
    1. في أكثر من موضوع تناولنا نمط تحرك وتقدم القوات المدرعة في التضاريس الحضرية ، وقلنا أن شكل من أشكال التنسيق يجب أن يؤمن بين المشاة والدبابات أثناء تقدم هذه الأخيرة ، ناهيك عن دعم الأسلحة الأخرى الجوية والأرضية .. هذا الأمر كفيل بتخفيض وتقنين الخسائر للحد الأدنى .

      حذف
  4. أستاذ انور لم تفهم قصدي ، أقصد هناك لحظة يجب ان تكون الدبابات رأس الحربة في اختراق خطوط العدو،للتمهيد لتسلل المشاة الى مسرح العمليات وهذا ما اقصده بالأختراق ، ولا اقصد لاحقاً الدور التبادلي يبن المشاة والدروع ، ومهما فعلت من تمهيد نيراني مدفعي قد لا ينسحبوا ويتمترسوا في مناطق مدمرة بالكامل ، اما سلاح الجو فغير مجدي وخصوصاً في المناطق المغلقة والسكنية، غير انتشار سبطانات الشيلكا والدوشكا التي تركب على سيارات زراعية بكميات هائلة ووضعها بين الأزقة والحواري ، حتى انتشار القناصين غير مجدي لمسافات متوسطة بسبب هندسة الأبنية ، شخصياًالحل الوحيد الذي اراه هو التطويق والعزل والتدمير المدفعي الشامل ولكن في ظل وجود مدنيين على الجيش ان يدفع الثمن للأسف

    ردحذف
    الردود
    1. نعم فهمت وجهة نظرك وهي بلا شك نظرة صحيحة ومعتبرة .. الروس طبقوا رؤية مماثلة في حرب الشيشان الأولى 1995 ، وزجوا بالدبابات أولاً وكانت النتائج كارثية ، فلجأوا في حرب الشيشان الثانية إلى سياسة الأرض المحروقة ..

      حذف