27‏/10‏/2012

تاريخ الصواريخ الموجهة المضادة للدروع .


تاريــخ الصواريــخ الموجهــة المضــادة للــدروع


العلماء الألمان هم أول من بادر إلى تطوير وإنتاج الصواريخ الموجهة المضادة للدروع ATGM ، وذلك على أمل توفير سلاح فعال لقواتهم يلغي دور الدبابة (على غرار المدافع الرشاشة التي ألغت دور الخيالة) . فلكي يواجه الألمان التعزيزات الكبيرة في حماية الدبابات السوفييتية آنذاك وهم يفتقدون للمواد الصناعية الأولية ، عمدوا لاستكشاف وسيلة أخرى مختلفة عن المدافع المضادة للدبابات ، التي بدت وكأنها تواجهه طريقاً مسدوداً فيما يتعلق بالسباق بين زيادة العيار من جهة وكثافة التدريع من جهة أخرى ، لقد حدا هذا الأمر بالمصممين الألمان في المرحلة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية ، وتحديداً في شهر يناير من العام 1944 لإنتاج أول صاروخ موجه مضاد للدروع ، أطلق عليه X-7 Rotka (طور في العام 1941 من قبل شركة BMW ، ولكن بسبب تفوق الألمان العسكري آنذاك تم رفض فكرته ، حتى أعيد إحياء البرنامج من جديد العام 1944 من قبل الدكتور Kramer) . الميزات الفنية الأساس للسلاح X-7 اشتقت في وقت سابق من قذيفة جو-جو موجهة سلكياً أطلق عليها Ruhrstahl X-4 ، التي جرى تطويرها في ألمانيا ابتداء العام 1943 وأطلقت بنجاح للمرة الأولى في سبتمبر 1944 . لقد كانت الميزة الحقيقية لهذا السلاح استعانته بالتوجيه السلكي Wire-Guided ، لهذا فهو يعتبر السلف الحقيقي لكل الفصائل المعاصرة من الصواريخ التي تستعين بالتوجيه السلكي . اشتمل الصاروخ X-7 على سلكان دقيقان يترنحان من طرفي أجنحة الصاروخ ، أحدهما للتصحيحات الطولية longitudinal والآخر للتصحيحات الجانبية lateral ، وكانت أوامر التصحيح ترسل للصاروخ من وحدة السيطرة والتعقب البصرية optical tracking حتى الاصطدام بالهدف .. جهز الصاروخ X-7 برأس حربي عبارة عن شحنة مشكلة زنتها 2.5 كلغم ، مع قدرة اختراق بلغت 200 ملم من الصلب ، واشتمل الصاروخ الذي بلغ قطره 140 ملم على محرك ذو وقود صلب من مرحلتين two-stage solid ، كفل له بلوغ سرعة طيران حتى 90 م/ث . بلغ وزن X-7 الإجمالي 9 كلغم ، أما مداه الأقصى فبلغ 1200 م . لقد أنتج الألمان من الصاروخ 300 وحدة ، اختبرت ابتداء على الجبهة الروسية بهدف التقييم ، ولكن لم يتسنى معرفة نتائج الاستخدام ، حتى جرى اجتياح ألمانيا من قبل جيوش الحلفاء الغربيين والإتحاد السوفيتي .


وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، أهملت الدول المنتصرة أهمية هذا السلاح ، إلا أن شركة فرنسية تدعى آنذاك Arsenal de L'Aeronaulique تابعة لشركة Aerospatiale ، باشرت في العام 1946 إجراء التجارب على صاروخ موجه سلكياً ، وقد استعان خبراء الشركة بتقنيات ألمانية سابقة خاصة بالصاروخ X-7 ، ولكن تصميم السلاح الجديد كان فرنسياً صرفاً . أثمرت الاختبارات بعد ستة سنوات ، وتحديداً في العام 1952عن ظهور SS-10 الذي أصبح الصاروخ الموجه المضاد للدبابات الشغال الأول في العالم . التطوير أكمل في العام 1955 والصاروخ دخل الخدمة في الجيش الفرنسي .


اشتمل الصاروخ SS-10 كسابقه الألماني على محرك قصير بدفع مزدوج ، مع سرعة طيران منخفضة نسبياً ، تراوحت بين 80 إلى 90 م/ث ، ورأس حربي زنة 5 كلغم مثبت في الأمام مع صمامة تصادمية . وقد بينت التجارب أن بمقدار شحنته المشكلة Shaped Charge التي بلغ قطرها 164 ملم ، اختراق نحو 400 ملم من الفولاذ المتجانس ، بمعنى قدرته على ثقب دروع أي دبابة معاصرة آنذاك . أما مداه الأقصى فكان لا يتجاوز 500-1600 م . هو وجه من خلال وصلة أسلاك توأميه twin-wire link مسحوبة خلف الصاروخ ، مع إشارات مرسله من صندوق سيطرة بمقود صغير small joystick ، مستخدم من قبل مشغل السلاح لصف الصاروخ وجمعه بالهدف أثناء مرحلة طيرانه ، وجعله بالتالي يطير على طول خط البصر . وفي الوقت الذي لم يتجاوز وزن الصاروخ 15 كلغم مما جعله خفيفاً بما فيه الكفاية لكي يكون سلاح المشاة المفضل المضاد للدبابات ، فإن تصميم SS-10 جعل لكي يكون بما فيه الكفاية بديلاً اقتصادياً للكثير من الأسلحة المضادة للدبابات في ذلك الوقت ، حيث استطاعت الشركة المنتجة جذب الانتباه وبيعه إلى نحو 11 بلداً مختلفاً ، بما في ذلك الجيش الأمريكي الذي تبناه في العام 1957 بعد سلسلة اختبارات (التسمية الأمريكية للسلاح MGM-21A) . إنتاج هذا الصاروخ توقف في العام 1963 ، مع إجمالي إنتاج بلغ نحو 30 ألف صاروخ .


وفي الوقت الذي كانت فيه فرنسا تطور صواريخ الجيل الأول المضادة للدروع ، كان هناك دول تعمل بنفس الجرأة والتصميم لإنتاج صواريخها الخاصة ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية كان هناك عمل دءوب لإنتاج صاروخ مضاد للدروع ينافس مثيلاته الفرنسية (صبغة الفشل والإخفاق كانت ملازمة للبدايات الأمريكية بشكل مثير) ، فجرى أولاً وبناء على طلب الجيش الأمريكي في نوفمبر العام 1951 ، العمل على تطوير الصاروخ Dart من قبل شركة Aerophysics ، حيث أعتبر هذا السلاح أول صاروخ موجهه مضاد للدروع يبلغ مرحلة التطوير الكامل في الولايات المتحدة ، وبدأت أعمال الإنتاج في أغسطس العام 1954 . جرى تزويد الصاروخ برأس حربي زنة 13.6 كلغم ، وحقق مدى أقصى بلغ 3048 م ، لكنه في المقابل كان ثقيل الوزن وكبير الحجم (45 كلغم وطول 1.52 م) ، لدرجة أن أجنحته العريضة التي بلغ امتدادها 1.02 م ، كانت ترتطم بالأشجار عند طيرانه ، بالإضافة لصعوبة وتعقيد توجيهه ، مما أستدعى معه إيقاف مشروع إنتاجه نهائياً في شهر سبتمبر العام 1958 . لهذا السبب ، بدأ الجيش الأمريكي العام 1959 تقديم طلبات شراء جديدة للصواريخ الفرنسية من نوع SS-10 و SS-11 ، وبلغ ما تم اقتناءه في الأعوام 1961-1962 من النوع SS-11 لوحده ، نحو 16,000 صاروخ ، منها عدد 500 وحدة خصصت لاستخدامات المروحيات القتالية الأمريكية .


أظهرت بريطانيا حماساً أقل لفكرة الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات مقارنة بالفرنسيين ، وتطويرهم أعيق في بادئ الأمر وأحبط بالشك حول فاعلية رؤوسهم الحربية ذات الشحنة المشكلة shaped-charge . في الحقيقة ، الصاروخ البريطاني الأولى الذي دخل الخدمة في العام 1962 ، وأطلق عليه Malkara (تطوير بريطاني/استرالي مشترك) ، ما لم يكن يتحصل على رأس حربي بشحنة مشكلة ، لكن رأس ثقيل بقطر 200 ملم مع شحنة HESH (اختصار شديد الانفجار مسحوق الرأس) . الصاروخ التالي المضادة للدبابات الذي تم تبنيه من قبل الجيش البريطاني كان على أية حال أكثر نجاحاً بكثير من سابقه . تطويره بدأ في العام 1956 من قبل شركة Vickers-Armstrong كمغامرة خاصة ، ولم يتم تبني اختباراته من قبل الجيش البريطاني إلا فقط في العام 1961 ، قبل أن يتم أخيراً قبوله في الخدمة . النسخة الأصلية للمشروع أطلق عليه Vickers Type 891 ، لكن أعيد تعيين السلاح بعد ذلك وأخذ التسمية "فيجالنت" Vigilant ، وهي اختصار "السلاح الخفيف المضاد للدبابات المحمول من المشاة الموجه بصريا" .


أغلب خصائص الصاروخ مشابهة لتلك المتضمنة في قذائف الجيل الأول ، إلا أنه امتلك فائدة على الصواريخ الأخرى الموجهة يدوياً ، تتمثل هذه في دمج طيار آلي autopilot للتحكم بالسرعة (هذا النظام يعمل على تحديد موقع الصاروخ واتجاهه وسرعته و"الموقف" من ناحية وضعه للأعلى أو للأسفل وبالتالي القدرة على تغيير حركته عن طريق سطوح السيطرة Control Surfaces) ، فقد زود الصاروخ فيجالنت بنظام ضبط وسيطرة يعمل بتعديل السرعة ، فكان أسهل كثيراً في الاستخدام من الأنظمة السابقة العاملة بتعديل التسارع acceleration ، مما بسط من مهمة المشغل عند توجيه الصاروخ إلى هدفه على طول خط البصر . وبشكل لا يمكن تجنبه أو إغفاله ، نظام السيطرة الآلي الخاص بالصاروخ فيجالنت جعله أغلى ثمناً للإنتاج ، حيث بلغ سعره النسخة الأصلية منه نحو 1.400 دولار ، بالمقارنة مع السعر الدارج آنذاك لصواريخ الجيل الأول ، كالألماني Cobra الذي بلغ سعره 430 دولار . حمل الصاروخ فيجالنت رأساً حربية زنته 6 كلغم ، مجهز بشحنة مشكلة قطرها 130 ملم ، تكفل له اختراق لوح فولاذي سماكته 650 ملم . وزنه الإجمالي بلغ 15.5 كلغم ، في حين مداه الأقصى فقد بلغ 1,500 م مع سرعة طيران لنحو 140 م/ث .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق