29‏/10‏/2012

مجســــات التحذيــــر الليزريــــة .


مجســـــــات التحذيـــــــر الليزريـــــــة LWS 
                                                                                   
                                                                                 
أحد أبرز مكونات منظومات الحماية النشيطة APS هي وحدة التحذير الليزرية أو LWS . وتعتبر هذه من التجهيزات القياسية للكثير من دبابات المعركة الرئيسة والعربات العسكرية الحديثة الأخرى ، وخط الدفاع الأول للتحذير من الشعاع الليزري الخارجي (أول دبابة استخدمت النظام في العالم كانت الإسرائيلية Merkava Mk 3 في العام 1989 ، وكان من تطوير شركة AMCORAM) ويرتكز دورها على كشف الإنارة الليزرية المعادية laser irradiation ، وإنذار الطاقم بأن عربتهم تم إضاءتها بواسطة شعاع ليزري ، وتمييز نوعه سواء كان من النوع المنتظم أو متعدد النبضات single/multi pulse ، وبالتالي إطلاق إشارة تحذير لتفعيل منظومة الإجراءات المضادة counter-measures . كفاءة مجسات التحذير الليزرية معروفة بإمكانيتها على تسجيل مستوى دقة واحتمالية الكشف الصحيح في المسافات القصوى لنسبة لا تقل عن 90% . هذه الكفاءة يمكن أن تقيم طبقاً للزيادة والنقصان بسبب تأثير العوامل والتغييرات المختلفة ، مثل الأحوال الجوية weather conditions ، والصخب الخلفي المحيط وكذلك مستوى الاضطراب الجوي (في المجمل ، الأمر يتضمن انعكاس الإشارات عن الأرض ، الشمس ، الجو ، الغيوم ، أو أي مصدر آخر يمكن أن يوفر إشارة غير مطلوبة undesired signal إلى المستقبل) . لقد أظهر تحليل النتائج بأن مسافة كشف مجسات الليزر التحذيرية تعتمد جوهرياً على الظروف الجوية . فعندما تزداد حالة التخفيف الجوي atmospheric attenuation (مصطلح يطلق على العملية التي فيها كثافة تدفق لشعاع متوازي من الطاقة ، تتناقص تدريجياً نتيجة زيادة المسافة عن المصدر ، وذلك كنتيجة لمظاهر الامتصاص أو التبعثر بالجو) فإن مدى الكشف يتناقص ، ويمكن أن تبلغ المسافة المثالية لكاشف عالي الحساسية حوالي 5.5 كلم ، إلا أن هذه المسافة تحت الظروف الجوية السيئة ، قد أن تنتقص وتنخفض إلى 1.8 كلم فقط .

إن نظام التحذير والإنذار الليزري كما وسبق ذكره ، يهدف لتنشيط أنظمة الإجراء المضادة المثبتة على العربة لكي تبدأ عملها آلياً أو إعطاء تحذير سريع إلى الطاقم لكي يشرعون في المناورة الصحيحة والمناسبة للخروج من موقعهم الأصلي . لهذا ، وقت الكشف يجب أن يكون قصير جداً لكي يتمكن الطاقم من الاستفادة من الوقت المتوفر لأخذ مناورة المراوغة والتملص evasive manoeuvre ، مع ملاحظة أن الزمن المقدر من لحظة تسليط شعاع ليزر الإضاءة وحتى وصول الصاروخ إلى الهدف سيتراوح بين 15-20 ثانية (بالطبع الأمر مرتبط بالمسافة الفاصلة وسرعة الصاروخ ورد فعل الرامي الابتدائي بالنسبة لظروف الإشتباك) . بالطبع تجاوز الخطر لا يكون فقط مع المناورة بالعربة ، بل أيضاً بتوجيه نيران قمع وإخماد fire suppression . فهذا التعبير العسكري يشير لإطلاق نيران الأسلحة المتوافرة على موضع العدو بهدف إجباره على التراجع والاختباء ، وبالتالي تخفيض قدرته إلى توجيه النيران المضادة ، وكما هو الحال عند مهاجمة مواقعه . نيران الإخماد إما أن تكون مهدفه ومصوبة (على سبيل المثال باتجاه جندي معادي محدد ، أو مجموعة جنود ، أو عربة) ، أو غير مصوبة (مثلاً على محور أشجار أو مباني ، حيث يمكن توخي تمركز جنود العدو ، أو باتجاه موضع مشكوك تخفيهم فيه) . ولكي تكون نيران الإخماد فعالة ومؤثرة effective ، فإنها يجب أن تكون كثيفة الحجم ومستمرة نسبياً .


الدبابات الإسرائيلية الأحدث من طراز Merkava 3/4 تتجهز بمنظومة متقدمة للكشف الليزري يطلق عليها LWS-2 مع مدى تغطية يبلغ 360 درجه ، وهي بذلك توفر مجال كشف لكامل محيط العربة ، وفي التغطية العمودية من -25 و+90 درجه أو أكثر . تتمحور ردة الفعل التالية للعربة بعد الكشف حول عدة إجراءات مضادة ، مثل نشر ستارة دخانيه smoke screen (ستارة دخان على قوس من 180 درجة خلال ثانيتين) أو القيام بمناوره سريعة manoeuvre ، أو توجيه نيران مضادة للموقع مصدر الإضاءة الليزرية . هذا النظام قادر حقيقتاً على كشف عدة أشكال من المصادر الليزرية المختلفة ، بما في ذلك تلك الواقعة في حزمة طيف الأشعة تحت الحمراء IR . النظام بشكله البسيط يشتمل على عدد ثلاثة مجسات كشف ليزرية LDS موزعة فوق برج العربة المراد حمايتها ، ووحدة عرض وسيطرة داخل العربة ملحقه بوحدة معالجة بيانات . الوحدات المتصلة ببعضها البعض بكابل كهربائي تقوم بإرسال إشارات التحذير (مرئية ومسموعة) من المجسات الليزرية إلى شاشة العرض الداخلية ، التي بدورها تحدد نوع الخطر وزاوية وروده . المجسات لديها وسيلتان للكشف ، مباشر وغير المباشر . الكشف المباشر direct detection تتحسس فيه وحدة الكشف شعاع الليزر المسلط مباشره نحو الهدف المحمي ، وتحدد بالتالي قطاع الزاوية الأفقية horizontal angle  التي يجيء منها التهديد ، فتقوم بتمييز نوع الخطر سويه مع إطلاق إنذار صوتي ومرئي لتحذير الطاقم . أما في الكشف غير المباشر indirect detection فتقوم وحدة المجسات هنا بدور تحسس شعاع الليزر المنعكس والمرتد عن الهدف بالإضافة للأجسام والسطوح المحيطة وتحليلها . هذه الميزة الفريدة تساهم في فهم وإدراك مستويات الخطر ، وتقدم ميزه تكتيكية إضافية لقدرات منظومة الإجراءات المضادة . تعرض المعلومات الصادرة عن وحدات المجسات الكاشفة في شاشة عرض داخلية رقمية digital display التي تضطلع بمهمة تبيان نوع التهديد وزاوية وروده .

27‏/10‏/2012

تاريخ الصواريخ الموجهة المضادة للدروع .


تاريــخ الصواريــخ الموجهــة المضــادة للــدروع


العلماء الألمان هم أول من بادر إلى تطوير وإنتاج الصواريخ الموجهة المضادة للدروع ATGM ، وذلك على أمل توفير سلاح فعال لقواتهم يلغي دور الدبابة (على غرار المدافع الرشاشة التي ألغت دور الخيالة) . فلكي يواجه الألمان التعزيزات الكبيرة في حماية الدبابات السوفييتية آنذاك وهم يفتقدون للمواد الصناعية الأولية ، عمدوا لاستكشاف وسيلة أخرى مختلفة عن المدافع المضادة للدبابات ، التي بدت وكأنها تواجهه طريقاً مسدوداً فيما يتعلق بالسباق بين زيادة العيار من جهة وكثافة التدريع من جهة أخرى ، لقد حدا هذا الأمر بالمصممين الألمان في المرحلة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية ، وتحديداً في شهر يناير من العام 1944 لإنتاج أول صاروخ موجه مضاد للدروع ، أطلق عليه X-7 Rotka (طور في العام 1941 من قبل شركة BMW ، ولكن بسبب تفوق الألمان العسكري آنذاك تم رفض فكرته ، حتى أعيد إحياء البرنامج من جديد العام 1944 من قبل الدكتور Kramer) . الميزات الفنية الأساس للسلاح X-7 اشتقت في وقت سابق من قذيفة جو-جو موجهة سلكياً أطلق عليها Ruhrstahl X-4 ، التي جرى تطويرها في ألمانيا ابتداء العام 1943 وأطلقت بنجاح للمرة الأولى في سبتمبر 1944 . لقد كانت الميزة الحقيقية لهذا السلاح استعانته بالتوجيه السلكي Wire-Guided ، لهذا فهو يعتبر السلف الحقيقي لكل الفصائل المعاصرة من الصواريخ التي تستعين بالتوجيه السلكي . اشتمل الصاروخ X-7 على سلكان دقيقان يترنحان من طرفي أجنحة الصاروخ ، أحدهما للتصحيحات الطولية longitudinal والآخر للتصحيحات الجانبية lateral ، وكانت أوامر التصحيح ترسل للصاروخ من وحدة السيطرة والتعقب البصرية optical tracking حتى الاصطدام بالهدف .. جهز الصاروخ X-7 برأس حربي عبارة عن شحنة مشكلة زنتها 2.5 كلغم ، مع قدرة اختراق بلغت 200 ملم من الصلب ، واشتمل الصاروخ الذي بلغ قطره 140 ملم على محرك ذو وقود صلب من مرحلتين two-stage solid ، كفل له بلوغ سرعة طيران حتى 90 م/ث . بلغ وزن X-7 الإجمالي 9 كلغم ، أما مداه الأقصى فبلغ 1200 م . لقد أنتج الألمان من الصاروخ 300 وحدة ، اختبرت ابتداء على الجبهة الروسية بهدف التقييم ، ولكن لم يتسنى معرفة نتائج الاستخدام ، حتى جرى اجتياح ألمانيا من قبل جيوش الحلفاء الغربيين والإتحاد السوفيتي .


وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، أهملت الدول المنتصرة أهمية هذا السلاح ، إلا أن شركة فرنسية تدعى آنذاك Arsenal de L'Aeronaulique تابعة لشركة Aerospatiale ، باشرت في العام 1946 إجراء التجارب على صاروخ موجه سلكياً ، وقد استعان خبراء الشركة بتقنيات ألمانية سابقة خاصة بالصاروخ X-7 ، ولكن تصميم السلاح الجديد كان فرنسياً صرفاً . أثمرت الاختبارات بعد ستة سنوات ، وتحديداً في العام 1952عن ظهور SS-10 الذي أصبح الصاروخ الموجه المضاد للدبابات الشغال الأول في العالم . التطوير أكمل في العام 1955 والصاروخ دخل الخدمة في الجيش الفرنسي .


اشتمل الصاروخ SS-10 كسابقه الألماني على محرك قصير بدفع مزدوج ، مع سرعة طيران منخفضة نسبياً ، تراوحت بين 80 إلى 90 م/ث ، ورأس حربي زنة 5 كلغم مثبت في الأمام مع صمامة تصادمية . وقد بينت التجارب أن بمقدار شحنته المشكلة Shaped Charge التي بلغ قطرها 164 ملم ، اختراق نحو 400 ملم من الفولاذ المتجانس ، بمعنى قدرته على ثقب دروع أي دبابة معاصرة آنذاك . أما مداه الأقصى فكان لا يتجاوز 500-1600 م . هو وجه من خلال وصلة أسلاك توأميه twin-wire link مسحوبة خلف الصاروخ ، مع إشارات مرسله من صندوق سيطرة بمقود صغير small joystick ، مستخدم من قبل مشغل السلاح لصف الصاروخ وجمعه بالهدف أثناء مرحلة طيرانه ، وجعله بالتالي يطير على طول خط البصر . وفي الوقت الذي لم يتجاوز وزن الصاروخ 15 كلغم مما جعله خفيفاً بما فيه الكفاية لكي يكون سلاح المشاة المفضل المضاد للدبابات ، فإن تصميم SS-10 جعل لكي يكون بما فيه الكفاية بديلاً اقتصادياً للكثير من الأسلحة المضادة للدبابات في ذلك الوقت ، حيث استطاعت الشركة المنتجة جذب الانتباه وبيعه إلى نحو 11 بلداً مختلفاً ، بما في ذلك الجيش الأمريكي الذي تبناه في العام 1957 بعد سلسلة اختبارات (التسمية الأمريكية للسلاح MGM-21A) . إنتاج هذا الصاروخ توقف في العام 1963 ، مع إجمالي إنتاج بلغ نحو 30 ألف صاروخ .


وفي الوقت الذي كانت فيه فرنسا تطور صواريخ الجيل الأول المضادة للدروع ، كان هناك دول تعمل بنفس الجرأة والتصميم لإنتاج صواريخها الخاصة ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية كان هناك عمل دءوب لإنتاج صاروخ مضاد للدروع ينافس مثيلاته الفرنسية (صبغة الفشل والإخفاق كانت ملازمة للبدايات الأمريكية بشكل مثير) ، فجرى أولاً وبناء على طلب الجيش الأمريكي في نوفمبر العام 1951 ، العمل على تطوير الصاروخ Dart من قبل شركة Aerophysics ، حيث أعتبر هذا السلاح أول صاروخ موجهه مضاد للدروع يبلغ مرحلة التطوير الكامل في الولايات المتحدة ، وبدأت أعمال الإنتاج في أغسطس العام 1954 . جرى تزويد الصاروخ برأس حربي زنة 13.6 كلغم ، وحقق مدى أقصى بلغ 3048 م ، لكنه في المقابل كان ثقيل الوزن وكبير الحجم (45 كلغم وطول 1.52 م) ، لدرجة أن أجنحته العريضة التي بلغ امتدادها 1.02 م ، كانت ترتطم بالأشجار عند طيرانه ، بالإضافة لصعوبة وتعقيد توجيهه ، مما أستدعى معه إيقاف مشروع إنتاجه نهائياً في شهر سبتمبر العام 1958 . لهذا السبب ، بدأ الجيش الأمريكي العام 1959 تقديم طلبات شراء جديدة للصواريخ الفرنسية من نوع SS-10 و SS-11 ، وبلغ ما تم اقتناءه في الأعوام 1961-1962 من النوع SS-11 لوحده ، نحو 16,000 صاروخ ، منها عدد 500 وحدة خصصت لاستخدامات المروحيات القتالية الأمريكية .


أظهرت بريطانيا حماساً أقل لفكرة الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات مقارنة بالفرنسيين ، وتطويرهم أعيق في بادئ الأمر وأحبط بالشك حول فاعلية رؤوسهم الحربية ذات الشحنة المشكلة shaped-charge . في الحقيقة ، الصاروخ البريطاني الأولى الذي دخل الخدمة في العام 1962 ، وأطلق عليه Malkara (تطوير بريطاني/استرالي مشترك) ، ما لم يكن يتحصل على رأس حربي بشحنة مشكلة ، لكن رأس ثقيل بقطر 200 ملم مع شحنة HESH (اختصار شديد الانفجار مسحوق الرأس) . الصاروخ التالي المضادة للدبابات الذي تم تبنيه من قبل الجيش البريطاني كان على أية حال أكثر نجاحاً بكثير من سابقه . تطويره بدأ في العام 1956 من قبل شركة Vickers-Armstrong كمغامرة خاصة ، ولم يتم تبني اختباراته من قبل الجيش البريطاني إلا فقط في العام 1961 ، قبل أن يتم أخيراً قبوله في الخدمة . النسخة الأصلية للمشروع أطلق عليه Vickers Type 891 ، لكن أعيد تعيين السلاح بعد ذلك وأخذ التسمية "فيجالنت" Vigilant ، وهي اختصار "السلاح الخفيف المضاد للدبابات المحمول من المشاة الموجه بصريا" .


أغلب خصائص الصاروخ مشابهة لتلك المتضمنة في قذائف الجيل الأول ، إلا أنه امتلك فائدة على الصواريخ الأخرى الموجهة يدوياً ، تتمثل هذه في دمج طيار آلي autopilot للتحكم بالسرعة (هذا النظام يعمل على تحديد موقع الصاروخ واتجاهه وسرعته و"الموقف" من ناحية وضعه للأعلى أو للأسفل وبالتالي القدرة على تغيير حركته عن طريق سطوح السيطرة Control Surfaces) ، فقد زود الصاروخ فيجالنت بنظام ضبط وسيطرة يعمل بتعديل السرعة ، فكان أسهل كثيراً في الاستخدام من الأنظمة السابقة العاملة بتعديل التسارع acceleration ، مما بسط من مهمة المشغل عند توجيه الصاروخ إلى هدفه على طول خط البصر . وبشكل لا يمكن تجنبه أو إغفاله ، نظام السيطرة الآلي الخاص بالصاروخ فيجالنت جعله أغلى ثمناً للإنتاج ، حيث بلغ سعره النسخة الأصلية منه نحو 1.400 دولار ، بالمقارنة مع السعر الدارج آنذاك لصواريخ الجيل الأول ، كالألماني Cobra الذي بلغ سعره 430 دولار . حمل الصاروخ فيجالنت رأساً حربية زنته 6 كلغم ، مجهز بشحنة مشكلة قطرها 130 ملم ، تكفل له اختراق لوح فولاذي سماكته 650 ملم . وزنه الإجمالي بلغ 15.5 كلغم ، في حين مداه الأقصى فقد بلغ 1,500 م مع سرعة طيران لنحو 140 م/ث .

14‏/10‏/2012

الدعم الناري لدبابات المعركة في التضاريس الحضرية .

الدعم الناري لدبابات المعركة في التضاريس الحضرية


المهمة الرئيسة والأكثر صعوبة بالنسبة للمدفعية ، هو الاضطلاع بدور مؤثر وحاسم ضد الدفاعات المعادية المضادة للدبابات وتوفير الدعم الناري الفعال . ففي البيئات المفتوحة يمكن للمدفعية أن توجه نيرانها ضد الخطوط الأمامية للدفاع ، بحيث تدمر الأسلحة المضادة للدروع المكشوفة أو المتخندقة ، أما في البيئات الحضرية والممدنة urbanized terrain فإن معظم الأسلحة المضادة للدروع تكون مخفية بشكل جيد تحت الأرض ، أو في المباني والإنشاءات الهيكلية المنتشرة في المدينة ، ولهذا يصعب تعيين الأهداف ، فمعظم الأهداف تمت تغطيتها من قبل العدو ، كما أن الممرات وطرق الحركة تم إخفاءها بعناية . فالعدو متحصن فوق قمة السقوف والأسطح للمباني المنتشرة ، وقد يستخدم مجاري الصرف الصحي أو الأنفاق للتنقل بين مواضعه (هنا يبرز دور وأهمية المراقبين الأماميين forward observer للاستطلاع وتحري مواضع الكمائن المحتملة) . ولذلك ينبغي تحديد واختيار نمط النيران المناسب لكل مهمة ، سواء المباشرة منها Direct Fire ، أو غير المباشرة Indirect Fire ، وكذلك اختيار الذخيرة الملائمة لمواجهة هذا التحدي .


ويمكن للمدفعية ابتداء أن تتمركز خارج أو في أطراف المدينة ، لتبدأ في دعم الهجوم المتقدم بنيرانها الكثيفة ، حيث يرتبط دور المدفعية في عمليات الدعم الهجومي Offensive Support بشكل عام ، بالمحافظة على زخم الهجوم والمحافظة على تحركات القوات الصديقة ، واستخدام نيران المدفعية لتمزيق وتشتيت دفاعات العدو المنظمة ، وكذلك توجيه نيران مركزة لعزل منطقة الهدف ، ودعم تقدم وهجوم الوحدات الصديقة assault support ، ودعم عمليات التطهير اللاحقة للمناطق التي تم الاستحواذ عليها ، وكذلك عزل وحرمان العدو من طرق وممرات التقرب للمواقع الصديقة . وينبغي الإشارة هنا لأهمية استخدام القذائف شديدة الانفجار بصمامات التأخير delay fuzes ، بهدف تطهير أسقف المباني بشظايا الانفجارات الجوية من القناصة وحاملي القذائف الكتفية المضادة للدروع (ينعدم تأثيرها عند اللجوء للأدوار السفلى) . أما في أدوار الدعم الدفاعي Defensive Support فإن المدفعية تعمل كامل جهدها في عرقلة وإبطاء تقدم الوحدات المعادية المدرعة أو من المشاة ، وتسلم هذه النيران عند أقصى مدى ممكن بهدف فصل وعزل الدروع والدبابات المعادية عن المشاة الداعمين لتحركها ، وإعاقة استخدام وسائل الاتصالات ووسائل النقل ، ومن ثم توجيه مركز الهجوم المعادي نحو مناطق القتل killing zones الصديقة والحليفة .


في التضاريس والبيئات الحضرية ، توفر المباني والإنشاءات مواضع غطاء و إخفاء ممتازة عن نظر ورصد العدو ، في ذات الوقت تعمل هذه على تقييد وتحديد قدرات القوات الصديقة على المراقبة (كما هو الحال مع المباني المرتفعة التي تعيق تسليم النيران غير المباشرة) . وتُعرض الأهداف في هذه التضاريس بشكل قصير وسريع ، وفي أغلب الأحيان بالقرب من مواقع القوات الصديقة ، مما يصعب معه من عملية اكتساب الأهداف . وهذا حقيقتاً ما حدا بالكثيرين للقول أن توظيف مدفعية الميدان في أنماط النيران المباشرة وغير المباشرة ، خلال القتال في التضاريس الحضرية يرتبط بعدة معوقات يجب النظر إليها قبل تقرير شكل الدعم الناري المطلوب ، ففي نمط الرمي غير المباشر تكون هذه النيران غير فعالة تجاه الأهداف المدرعة بسبب تراكيب البناء والجدران والإنشاءات ، فتميل القذائف للاصطدام بالأسقف والأدوار العليا بدل الارتطام بأهدافها المدرعة على الأرض ، مما يعني الحاجة لإنفاق حجم كبير من الذخيرة لإصابة هدف واحد . كما تتسبب المباني المرتفعة في خلق وإحداث منطقة ميتة dead space ، والتي تعني المنطقة التي لا تستطيع بها النيران غير المباشرة الوصول لمستوى الشارع ومشاغلة الأهداف منخفضة الارتفاع ، كالدبابات والعربات المدرعة الأخرى ، بسبب المباني المرتفعة ، وزاوية سقوط القذيفة projectile angle fall ، ولذلك تعتبر هذه المنطقة ملجأ آمن للعدو . وعادة ما تعادل المنطقة الميتة لرمي قذيفة مدفع قوسي عيار 155 ملم بزاوية منخفضة ، نحو خمسة مرات أكثر من ارتفاع المبنى الذي يجلس خلفه الهدف .


أما في نمط الرمي المباشر Direct Fire ، فيجب أن نعلم حقيقة أن المدفعية ذاتية الحركة Self-propelled لا تمتلك الحماية المدرعة الثقيلة كتلك التي تمتلكها الدبابات ، لكنهم يستطيعون العمل في البيئات والتضاريس الحضرية متى ما تم تأمينهم بشكل كافي بواسطة المشاة . ولذلك ينبغي أن تكون الاستعانة بالمدفعية في دور تأمين الدعم الناري المباشر بناء على دراسة وتحليل الحاجات الملحة للنيران الثقيلة . وعلى الأغلب في المعركة الحضرية urban combat ، تستطيع المدفعية في هذا النمط من النيران ، تعزيز ودعم مدافع الدبابات تجاه الأهداف الصلبة والقوية والأهداف المدرعة المعادية ،حيث تستطيع القذائف شديدة الانفجار توفير نيران ذات تأثير مدمر devastating affect واختراق أكثر من 90 سم من الأهداف الخراسانية والإنشائية من مسافة 2.200 م ، وبالتأكيد فإن تأثير الشظايا سيكون عنيفاً على الأهداف المدرعة ، خصوصاً الأجزاء خفيفة التدريع .


تجربة المعارك الحضرية الروسية في الشيشان عامي 94-1995 ، أظهرت أن نيران المدفعية المباشرة Direct-fire قد تكون أداة مفيدة في هذا النوع من أنماط القتال ، فعندما اقتحمت القوات الروسية العاصمة غروزني Grozny اكتشف الروس صعوبة استخدام المدفعية في نمط غير المباشر ، بسبب تواجد المباني العالية ونقص الأفراد المتخصصين في توجيه النيران ، هم واجهوا أيضاً صعوبات تقنية في أسلحتهم الرئيسة كالعربات المدرعة والدبابات ، التي عجزت عن التعامل مع فرق القناصة ومطلق قذائف RPG من الطوابق العليا للأبنية ، وهكذا استخدم الروس المدفعية القوسية Howitzer وراجمات الصورايخ ومدافع الهاون الآلية عيار 82 ملم في توجيه نيران أسلحتهم ، وفي أحيان كثيرة من مديات لا تتجاوز 150-200 م . ورغم أن الجيش الروسي امتلك ذخيرة مدفعية دقيقة التوجيه ، يمكنها تسديد ضربات جراحية دقيقة ، أمثال القذيفة الموجهة ليزريا Krasnapol وقذائف الهاون الموجهة نوع Smelchak ، إلا أنها لم تستخدم ، وذلك لاقتناع القيادات الروسية العليا بعدم جدوى استقدام ذخيرة باهظة الثمن لكي تهدر wasted في الشيشان . كما أن القادة الذين لجئوا إلي تكتيكات نيران الدعم المباشر من مديات لا تتجاوز 200 م ، أفادوا أن الدقة المطلوبة لهذه المديات يمكن بلوغها بقذائف المدفعية التقليدية ، دون الحاجة لقذائف موجهة .

11‏/10‏/2012

المحركات المكبسية الموقدة بشرارة .

محركــات الدبابـات المكبسيــة الموقـدة بشـرارة


عندما بدأت دبابات لكي تكون مطورة في العام 1915 ، عملياً كان النوع الوحيد من المحركات المتوفر لدفع العربات آنذاك هو "محرك الاحتراق الداخلي" internal combustion engine . في هذا النوع من المحركات تتولى شرارة إيقاد كهربائية اشعال وإحراق الوقود (عادة ما يكون البنزين) والمادة المؤكسدة (عادة ما تكون الهواء) داخل حيز محدود يطلق عليه "حجرة الاحتراق" combustion chamber . ويطلق هذا التفاعل الطارد للحرارة غازات عند درجة عالية من الحرارة والضغط ، ويسمح لهذه الغازات بالتمدد والتوسع . الأمر الرئيس الذي يميز محرك الاحتراق الداخلي هو أن الشغل المفيد تبذله الغازات الحارة المتمددة التي تضغط مباشرة لتسبب حركة أجزاء المحرك الصلبة ، وذلك بالضغط على المكابس pistons أو الجزء الدوار أو حتى بتحريك المحرك بأكمله . في النتيجة هذا النوع من المحركات أستخدم لتشغيل دبابات الجيل الأول .. الدبابات آنذاك جرى تشغيلها وتسييرها بالنماذج المتاحة من هذا النوع من المحركات ، والتي كانت قَد طورت في الأصل للأغراض التجارية . الدبابات البريطانية الأولى شغلت من قبل محرك ذو ستة اسطوانات مبرد بالسائل بقوة 105 حصان ، الذي أنتج في وقت سابق من قبل شركة "ديملر" Daimler لصالح جرار زراعي ذو عجلات كبير large wheeled tractor . إن استخدام مثل هذا المحرك لتشغيل دبابات الجيل الأول كان بمثابة سابقة أتبعت فيما بعد ضمن مناسبات عديدة لاحقة . هكذا ، العديد من الدبابات دفعت وسيرت بالمحركات التي كانت قَد أنتجت في الأصل لدى مصانع السيارات automotive industries لاستخدامها في الأغراضِ الأخرى .


هذا التوجه وفر الوقت والمال الذي كان يمكن أن متطلب لتطوير ولبناء محركات خاصة . لكن الاستعمال الناجح لهذه المحركات المتوفرة حُصر وحدد في معظم الحالات لصالح الدبابات الخفيفة نسبياً ، ذلك لأن صناعة السيارات والمركبات التجارية لم تنتج المحركات الفاعلة التي تعطي الدبابات الأثقل وزنا نسب قوة عالية للوزن power-to-weight ratio بما فيه الكفاية . مثال مبكر لهذا الأمر كان استخدام محرك تجاري متاح ومتوفر آنذاك لصالح الدبابة البريطانية Mark I ، الذي أعطاها معدل قوة للوزن لنحو 4 حصان لكل طن ، هذا الضعف أدى إلى بالنتيجة إلى إدراك حقيقة الحاجة لمحركات أكثر قوة . بالنتيجة ، محركات أكثر قوة من أولئك المنتجة للأغراض المدنية بدأ تطويرها للدبابات الأثقل . أول هذه المحركات أنتج في العام 1918 لدبابات Mark V البريطانية . ومن الممتع فعلاً ملاحظة أن مصممه المهندس البريطاني H R Ricardo ، أصر على استخدام وتوظيف الرؤوس العابرة cross-heads لقيادة مكابسه الستة (في الهندسة الميكانيكية ، الرأس العابر هو عبارة عن تقنية تستخدم ذراع أو قضيب يوصل ذراع المكبس إلى الذراع الموصول بالمحرك الترددي لإزالة الضغط الجانبي على المكبس) ، كما في المكائن البخارية التي اشتقت ميكانيكية عملها من المحرك المكبسي الموقد بشرارة . المحرك قدر له أصلاً إنتاج قوة لنحو 150 حصان ، لكن اسطواناته ثقبت وتم برمها بعد ذلك ، واستطاع المحرك في النهاية إنتاج قوة حصانية لنحو 225 .


في العام 1918 مصدر بديل من المحركات الأكثر قوة powerful engines ظهر وبرز تأثيره . والفضل في ذلك يعود إلى صناعة الطائرات التي طورت في ذلك الوقت محركات خفيفة ومضغوطة نسبياً وبقوة تزيد عن 300 حصان . أحدهم كان محرك Liberty (وتعني الحرية) وكان بقوة 338 حصان . هذا المحرك الجوي طور في الولايات المتحدة وتم تبنيه في العام 1917 للدبابة الثقيلة الإنجليزية الأمريكية Mark VIII . هذه الدبابة من المفترض أن تكون أنتجت على نطاق واسع العام 1919 ، مهدت الطريق أمام استعمال محركات الطيران aero engines في الدبابات ، التي أصبحت ميزة رئيسة لعملية تطويرهم حتى بعد الحرب العالمية الثانية . علاوة على ذلك ، جرى تقديم محرك Liberty المبرد بالسائل V-12 ، الذي حمل ميزة مشتركة وشائعة لمحركات دبابات المعركة إلى يومنا هذا . نقصد بذلك الترتيب "V" الذي وفر تهيئة مشتركة لمحرك الاحتراق الداخلي . فالاسطوانات cylinders والمكابس pistons مصطفة في مستويين منفصلين ، لكي يبدوان على هيئة الحرف "V" عند النظر إليهما على طول محور عمود الساعد (يسمى كذلك العمود المرفقي crankshaft) . ميزة الترتيب هذه تكمن عموماً في تخفيض طول المحرك العام وكذلك الارتفاع والوزن بالمقارنة إلى تصاميم المحركات الأخرى مثل الترتيب inline أو الذي يكون على خط مستقيم .. محرك Liberty نفسه كان قد استعمل لتشغيل دبابات المصمم الأمريكي J W Christie's التجريبية السريعة في الأعوام 1928-1931. ثم بُعثت فكرة استخدامه من جديد في العام 1936 وجرى توصيفه على أنه المحرك الوحيد بالجيش البريطاني الذي يمكن انتاجه بالسرعة الكفاية لصالح دبابات الفرسان cruiser أو الدبابة السريعة الجديدة بنظام تعليق "كرستي" Christie suspension في السنوات 1939-1944 . قدرة خرج المحرك بلغت 340 حصان ، لكنها بعد التحسينات والإضافات النهائية بلغت 395 حصان . وعلى الرغم من أن هذا المحرك كان قوياً ضمن مقاييس ومعايير محركات الدبابة المعاصرة في ذلك الزمن ، إلا أن محرك طائرات مكبسي أكثر إلى حد كبير قوة دخل حيز الإنتاج والاستخدام كان قَد أنتج للدبابات في الإتحاد السوفيتي . المحرك السوفيتي كان Mikulin M-17 ذو 12 أسطوانة ، وهو بقوة جبارة نسبياً بلغت 500 حصان ، أتاحت له تشغيل دبابات مثل T-28 وT-35 وكذلك BT-7 . المحرك كان نسخة أرضية عن محرك جوي آخر ، تصميمه استند في الأساس على محرك طائرة BMW ذات ستة اسطوانات وبقوة 250 حصان ، واختبر في الإتحاد السوفيتي بين السنوات 1929-1932 .

9‏/10‏/2012

نظام التلقيم الآلي في الدبابة Leclerc .

نظـــام التلقيــم الآلــي في الدبابــة Leclerc


الدبابة الفرنسية Leclerc تستخدم نظام حديث للتلقيم الآلي ، طور من قبل شركة Creusot-Loire ، في حين تتولى إنتاجه وتوزيعه Giat Industries (المقاول الأساسي) . هذا النظام الذي يتم التحكم به بواسطة نظام الكتروني متطور مثبت في برج الدبابة ، وجرى عزله عن الرامي وقائد الدبابة في مقصورة الطاقم crew compartment بواسطة حاجز مدرع محكم الغلق . يسمح النظام بمعدل نيران يبلغ 12 طلقة/دقيقة ، حيث يحمل مخزن الملقم عدد 22 قذيفة من عيار 120 ملم جاهزة للرمي ، مع قدرة على الاختيار بين خمسة أنواع من القذائف باستخدام معالج دقيق ، بما في ذلك الأنواع النابذة للكعب المثبتة بزعانف APFSDS ، وشديدة الانفجار المضادة للدبابات HEAT . هذه القدرات يعززها نظام رقمي للسيطرة على النيران D-FCS ، يسمح باختيار وانتخاب عدد 6 أهداف خلال 30 ثانية (تسمح وحدة التوجيه المستقرة بنسبة إصابة أثناء الحركة تبلغ 95% ، وتستطيع الدبابة عموماً مهاجمة أهداف تبعد عنها مسافة 4000 م وهي تتحرك بسرعة 50 كلم/س) . يوجد في هيكل الدبابة مخزون إضافي من الذخيرة ، يبلغ عدده 18 قذيفة لغرض إعادة تزويد الملقم الآلي بالذخائر المستهلكة . حاويات الخراطيش cartridge cases في الملقم والتي تغذي المدفع أملس الجوف نوع F1 ، هي من النوع التي نصفها قابل للاحتراق semi-combustible ، وعند الحاجة لرمي قذيفة معينة ، فإن باب صغير يعمل كهربائياً يفتح من خلال الحاجز المدرع ليسمح للذخيرة بالمرور من خلاله . وقد جرى تصميم برج الدبابة المشتمل على الملقم في حالة إصابته واختراقه من قبل قذيفة معادي ، بحيث يوجه وينفس القوة الرئيسة لموجة الانفجار نحو الأعلى من خلال أبواب خاصة ، بدل توجيه موجة الانفجار نحو غرفة الطاقم .


يشتمل الملقم الآلي في الدبابة Leclerc على مكونين رئيسيين هما : ناقل الذخيرة ، والذي هو أيضاً مخزن طلقات الملقم من عيار 120 ملم ، وتكون القذائف هنا موجهة وأنوفها نحو مقدمة الدبابة . المكون الثاني هو مدك أو صادم تلسكوبي telescopic rammed ، مهمته نقل الذخيرة من مخزن الملقم للعقب المفتوح الخاص بالمدفع الرئيس . الناقل يمكن أن يحمل بعدد 22 طلقة يدوياً loaded manually من داخل الدبابة أو من خارجها (فتحة في مؤخرة البرج turret rear) . ناقل الذخيرة يشتمل في بنائه الداخلي على سلسلة متصلة endless chain متوافقة مع تركيب من خليتين مفتوحتين ومفصولتين عن بعض ، تنزلقان على قضبان أو مسارات خاصة . أما المدك التلسكوبي فيتضمن ذراع انزلاقي sliding الذي يعمل على دفع القذيفة المنقولة في عقب المدفع الرئيس F1 . ويمكن تحميل المدفع بالذخيرة عندما تكون الدبابة عند حدود ميلان وانحدار تتراوح بين -15 و+15 درجة . يبلغ طول الملقم 1400 ملم ، وعرضه 2400 ملم ، وارتفاعه 500 ملم ، أما وزنه فيبلغ 500 كلغم .

8‏/10‏/2012

علم المقذوفات الطرفي/النهائي (3) .

علـــم المقذوفـــات الطرفـــي/النهائـــي (3)


يدرس علم المقذوفات الطرفي أو النهائي Terminal Ballistics تفاعل وتأثير المقذوف على سطح الهدف . فهناك عدة مظاهر متغيرة لهذا الاتصال ، والنتائج متفاوتة على نحو واسع ، والأمر يعتمد لحد كبير على عوامل تخص طبيعة الاصطدام و نوع المقذوف ومادة الهدف .. ويبرز لدينا من خلال هذا الموضوع أهم المصطلحات المستخدمة في علم المقذوفات النهائي ، وهما مصطلحي "الاختراق" penetration و "الثقب" perforation لكتلة الدروع . مفهوم الاختراق يستخدم بشكل عام لكلتا أطوار وسمات العملية ، ولكنه في سياق علم المقذوفات النهائي يشير لمعنى أكثر تعييناً وتحديداً ، ينحصر في دخول وتغلغل المقذوف أو الخارق إلى الهدف ، لكن هذا لا يعني بالضرورة ثقب الهدف . في حين يشير مصطلح الثقب إلى أن الهدف قد تم النفاذ خلاله وتجاوزه للجهة الأخرى من كتلة الدروع . ويمكن مشاهدة الأضرار واضحة وجلية على الهدف الذي تم ثقبه ، من خلال الأضرار الرئيسة التي ستقع خلف الدروع على الرجال والتجهيزات التي يوكل للدرع حمايتها . في هذه الحالة الأضرار منجزة من قبل مادة الخارق الذي مر ونفذ خلال الدرع ، ونتيجة الشظايا وتكسر أجزاء السطح الداخلي للدرع ، والتي تفتتت لقطع مختلفة الحجم والسرعة .


عندما يضرب مقذوف حر الطيران جسم آخر بسرعة عالية ، أو ما يطلق عليه اصطلاحاً "الاصطدام البالستي" ballistic impact ، فإن ثلاثة أشياء رئيسة يمكن أن تحدث : المقذوف يمكن أن يرتد ويثب عن جسم الهدف . هو يمكن أيضاً أن يخترق جسم الهدف جزئياً وبشكل هامشي . كما يمكنه أن يعبر وينفذ بالكامل خلال كتلة ذلك الجسم . حدوث هذه الإمكانيات الثلاثة يعتمد على مجموعة عوامل ، مثل (1) كتلة المقذوف (2) تركيبه (3) سرعته (4) زاوية الارتطام (5) وطبيعة الهدف .. فسهم نبلة خشبي يصوب وتضرب به دبابة معركة رئيسة على سبيل المثال ، سوف يثب عن دروعها بالتأكيد ، في حين أن نفس السهم إذا وجه نحو حاجز أو لوح خشبي ، فإنه سوف يخترق جزء منه أو يمر على طول امتداد الحاجز . أما حين يضرب المقذوف السريع صفيحة معدنية ثابتة وسميكة ، فإن الارتطام يولد قوى تشويه فاعلة ، تمارس تأثيرها على المقذوف وعلى منطقة الصفيحة المصابة . أنف المقذوف سيتعرض للضغط والتسطيح ، وسيواجه المقذوف حالة تغيير شكله بسبب التشويه اللدن/الدائم Plasticity deformation . واعتماداً على الملكيات المادية والسرعة ، فإن الصدمة التي يسببها الارتطام ، قد تتسبب في تمزيق المقذوف إلى جزءان أو أكثر من القطع . كما أن جزء من الصفيحة المعدنية التي ضربت بالمقذوف سوف تتعرض للإنطعاج والضغط نحو مركز الصفيحة ، وسيواجه المعدن في منطقة التأثير والاصطدام حالة توسع واستطالة . فإذا كانت طاقة المقذوف الحركية كبيرة بما فيه الكفاية ، فإن الصفيحة سوف تتمزق ، وسيتم اختراقها من قبل المقذوف . ويمكن للمقذوف أن يعبر بالكامل خلال الصفيحة المعدنية ويواصل مسيره إلى الجانب الآخر . وحتى في حالة إخفاق المقذوف في اختراق الدرع ، فإنه لا يزال يستطيع إتلاف الدرع ، أو على الأقل إضعاف مقاومته تجاه الارتطامات البالستية اللاحقة .


في حال اختراق المقذوف لبعض من كتلة الهدف ثم توقفه عند مسافة معينة ، فإننا يمكن أن نقول أن طاقة المقذوف الحركية هنا أصبحت تساوي صفراً .. فإذا علمنا أن الطاقة بموجب القانون الأول لعلم الديناميكا الحرارية thermodynamics أو قانون حماية الطاقة كما هو يدعى في أغلب الأحيان ، ينص على أن "الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم ولكن تتحول من شكل إلى آخر" ، بمعنى أن الطاقة الكلية تكون مصانة ومحفوظة وثابتة بمرور الوقت ، ولكنها يمكن أن تتحول من حالة لأخرى ، كتحول الطاقة الحركية لطاقة حرارية أو العكس .. وهكذا ، فإننا يمكن أن نتساءل عن مصير الطاقة الحركية kinetic energy الكامنة في الخارق قبل الاصطدام والتي اختفت بعده مع عملية الاختراق ؟؟ هي في الحقيقة لم تختفي ، ولكن بموجب القانون الأول للديناميكا الحرارية سابق الذكر ، فإن جزء من هذه الطاقة الحركية سوف يستهلك في العمل الذي يؤديه المقذوف خلال عملية اختراقه الهدف . إن كمية أو مقدار هذا العمل المبذول ، تكون مساوية إلى القوة المتوسطة التي مارسها المقذوف على الهدف مضاعفة بمسافة الاختراق . جزء آخر من الطاقة يدخل ضمن مصطلح التشوه الدائم غير المرن ، أو التشويه اللدن Plasticity deformation الذي يتعرض له كل من المقذوف والهدف (Plasticity‏ أو اللدونة ، هي خاصية على عكس المرونة وتعني أن المادة عند تعرضها إلى ضغوط خارجية لا تعود إلى حالتها الطبيعية عند زوال المؤثر الخارجي) . جزء آخر من الطاقة يتحول لمستويات هامة ومفرطة من الحرارة ، نتيجة الاحتكاك الحاصل بين المقذوف والهدف أثناء تحرك الأول خلال كتلة الأخير . إن مرور واجتياز المقذوف خلال مادة الهدف يعتمد على طاقته الحركية الأولية ، التي يجب أن تكون كافية بما فيه الكفاية لدفعه في طريقه على طول كتلة الهدف . أما مقدار وعمق الاختراق ، فإنه يعتمد على وظيفة الخصائص المادية للمقذوف ، شكل المقذوف ، زاوية ارتطام المقذوف ، سمك الهدف ، الملكيات والخصائص المادية للهدف .

6‏/10‏/2012

علم المقذوفات الخارجي (2) .

علـــــــم المقذوفـــــــات الخارجــــــي (2)  


لنفترض أن مقذوف أطلق في منطقة مفرغة وخاوية عند زاوية ارتفاع مقدارها 0 درجة ، وبسرعة فوهة مقدارها V م/ث .. وفق قانون نيوتن الأول Newton's First Law ، فإن الجسم يظل على حالته الحركية ، إما السكون التام أو التحرك في خط مستقيم بسرعة ثابتة ، ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تغير من هذه الحالة . لذلك في غياب الجاذبية الأرضية أو قوى المقاومة الأخرى ، المقذوف سيستمر في اتجاهه الأولي ويبقي على سرعة فوهة muzzle velocity ثابتة . ولكن بالطبع هناك قوى خارجية وقوى الجذب الأرضي ، التي لها قوى سحب وجر لكتلة المقذوف نحو مركز الأرض بتعجيل مقداره G م/ث . قيمة G تتفاوت وتتغير بمسافتها عن الأرض ، لكن مع الأسلحة قصيرة المدى ، كبنادق الميدان الخفيفة ، هو يمكن أن يفترض أن حقل الجاذبية منتظم وموحد ، ويمكن أن يبلغ قيمة ثابتة مقدارها 9.81 م/ث .


يدرس علم المقذوفات الخارجي External Ballistics حال المقذوف عند تركه سبطانة السلاح ودور الغازات المنبثقة . وبشكل عام هناك عدد من العوامل التي تؤثر على مسار حركة المقذوف ، بعضها مرتبط بذات المقذوف ، والآخر يتعلق بالحقل المحيط الذي يطير المقذوف خلاله . العوامل المرتبطة بالمقذوف تشمل جزئيتين في الحقيقة ، سرعة الفوهة والمعامل البالستي للمقذوف ، وفي الوقت الذي تحدد به سرعة الفوهة المدى الأقصى (حسب زاوية الرمي المقدمة) وزمن طيران المقذوف لمسافة محددة ، فإن المعامل البالستي يقرر معدل التباطؤ في سرعة المقذوف ، حسب كتلته ، قطره ، شكل مقدمته ، معدل دورانه (في حال الحديث عن مقذوفات مطلقة من مدافع محلزنة التجويف) . أما بالنسبة للعوامل المرتبطة بالحقل المحيط ، فتشمل عناصر كثافة الهواء ، الحرارة ، الضغط واللزوجة . ولأن أحد الاعتبارات الرئيسة عند تصميم القذيفة يتمثل في دقة النيران ، لذا فإن بعض وسائل تأمين الاستقرار يجب أن تستخدم . الوسيلتين الأكثر شيوعاً هما الدوران المغزلي spin ، والاستقرار الزعنفي fin stabilization .

عندما يبدأ المقذوف مسيره بعد ترك فوهة السلاح ، فإن سرعته تتناقص بثبات بسبب مجموعة من قوى المقاومة ، يتصرف المقذوف وفق تأثيراتها ، مثل مقاومة جزيئات الهواء أو العائق الديناميكي الهوائي aerodynamic drag وكذلك الجاذبية والرياح ، بحيث يتفاوت تأثير هذه حسب نوع المقذوف وتصميمه . لذلك يحرص المصمم على تقليل تأثير المقاومة للحد الأدنى ، لأن انخفاض وانحدار سرعة المقذوف تزيد بالنتيجة من زمن طيرانه ، وتخفض احتمالية إصابة الأهداف المتحركة ، ويتضاعف الأمر عند مرور رياح عرضية شديدة cross-winds (مصطلح يشير لرياح تهب بشكل متعامد مع اتجاه مسار المقذوف مما يجعل طيرانه أكثر صعوبة مما لو كانت الرياح تهب بشكل موازي لاتجاه حركته). المقاومة الهوائية والإعاقة تنتج عن احتكاك المقذوف بجزيئات الهواء ، وهذه مرتبط لحد كبير بالمقطع العرضي للمقذوف وسرعته ، فالمقذوفات الأكبر حجماً والأسرع انتقالاً ، هي المقذوفات الأكثر مواجهتاً لقوى المقاومة والإعاقة . إن الهواء دبق ولزج sticky وجزيئاته تقاوم حركة الأجسام التي تمر خلالها ، ويمكن للتبسيط رؤية تأثير هذا الأمر على قطعة ورق تقذف من الأعلى ، هذه الورقة لن تهبط بشكل مستقيم للأسفل بل بشكل متعرج ، وستنزلق الورقة على الحواف أو إلى الجوانب خلال جزيئات الهواء . لذلك تؤثر مقاومة الهواء على طيران المقذوف في كلاً من جزئيتي المدى والاتجاه ، حيث يطلق على المقاومة الهوائية للمقذوف في الاتجاه المعاكس والمتعارض لحركة طيرانه الأمامية اسم "العائق" drag .


قوى الهبوط والانحدار للجاذبية الأرضية gravity drop تتسبب هي الأخرى في انخفاض سرعة المقذوف (الأمر مرتبط كثيراً بزيادة المدى) وتجعل مسار طيرانه أكثر تقوساً وانحداراً ، مما يؤدي لهبوطه ونزوله عن خط البصر ، نتيجة التسارع والتعجيل acceleration السفلي لكتلة المقذوف ، والأهم من ذلك إنقاص قابليات مقذوفات الطاقة الحركية تحديداً ، التي تعتمد علي سرعتها لتحقيق اختراقات نافذة للدروع ، بحيث تكون احتمالية إصابة الأهداف مرتبطة لحد كبير بدقة المعلومات الأخرى حول مدى الهدف والمعلومات البالستية ballistic parameters للبيئة الجوية المحيطة . ويقصد بذلك تأثير الحرارة ، والضغط الجوى ، والرطوبة ، التي ستحدد مستوى كثافة الهواء في البيئة المحيطة . إن زيادة في الضغط على سبيل المثال ستؤدي إلى زيادة في الكثافة . وكقاعدة عامة ، كلما زادت كثافة الهواء air density كلما زادت المقاومة والإعاقة . أما الرطوبة moisture ، فيمكن القول أن لبخار الماء كثافة تبلغ 0.8 غرام/لتر ، في حين يبلغ متوسط هذه في الهواء الجاف 1.225 غرام/لتر ، ولذلك فإن الرطوبة العالية في الحقيقة ، تنقص وتخفض كثافة الهواء ولا تزيدها ، وبناء عليه تنخفض المقاومة للمقذوف (يحدث هذا لأن الكتلة الجزيئية للماء التي تبلغ 18 جرام/مول أقل من الكتلة الجزيئية للهواء التي تبلغ نحو 29 جرام/مول) . كذلك الأمر بالنسبة للحرارة ، فعندما ترتفع درجة الحرارة ، تتباعد جزئيات الهواء عن بعضها البعض ، وتقل كثافة الجو وينخفض العائق ، وبالتالي تستطيع القذيفة اجتياز هذه الجزئيات بطاقة قليلة نسبياً وتصل لمسافات أبعد .. والعكس صحيح تماماً . مع ملاحظة أن هذه العلاقة لا تصح بينما يقترب المقذوف من سرعة الصوت . فالعائق هنا يتعلق بالعدد الماكي Mach (نسبة سرعة الجسم إلى سرعة الصوت في الوسط المحيط) وتتغير العلاقة فجأة على مقربة من1 ماك .


للرياح Wind تأثير فاعل لا يمكن تجاوزه ، أولها أنها تجعل المقذوف يحيد وينحرف deviate عن مساره . ومع ذلك ووفق منظور علمي واضح ، فإن الرياح التي تدفع باتجاه جانب المقذوف ، هي ليست من يسبب ما يطلق عليه اصطلاحاً بعملية "جرف الرياح" wind drift ، والتي تعني الإزاحة الجانبية لمقذوف عن مساره ، نتيجة رياح تهب بزاوية مستقيمة باتجاه الهدف . فمن يتسبب في هذه الحالة حقيقتاً هو المقاومة والإعاقة Drag التي تجعل المقذوف يميل ويتحول نحو الرياح ، مبقياً مركز ضغط الهواء على مقدمة أنف المقذوف . وتعتمد كمية الانجراف على زمن طيران المقذوف (تحدده هو الآخر المسافة الواجب قطعها للهدف ومتوسط سرعة المقذوف) وسرعة الرياح التي تتصرف وتؤثر على المقطع العرضي لجسم المقذوف .

4‏/10‏/2012

علم المقذوفات .. وسلوك المقذوف التصاعدي .

علــم المقذوفــات .. وسلــوك المقــذوف التصاعــدي


لا يمكن دراسة أداء مدافع الدبابات وذخيرتها بمعزل عن دراسة علم المقذوفات Ballistics ، وهذا العلم يختص بدراسة التطور المرحلي لسلوك المقذوف projectile والقوي التي تؤثر عليه ، ابتداء من عملية اشتعال المادة الدافعة وانطلاق المقذوف بتسارع وتعجيل من حاوية الخرطوشة ، وحتى وصوله وارتطامه بالهدف . إن فيزياء انطلاق المقذوف من سبطانة المدفع وصولاً حتى هدفه تخضع لعمليات معقدة جداً ، وبالنتيجة فإن علم المقذوفات حتى اليوم يعد أساساً علماً تجريبياً empirical science ، مستند على مقدار كبير من الملاحظات الاختبارية ..هو عرضة للتحليل النظري وكان موضوع علماء الرياضيات والفيزياء والهندسة وشاغلهم لعقود طويلة ، واليوم أصبح هذا العلم أكثر فهماً ووضوحاً في معظم جزئياته . هذا العلم يقسم في حقيقته لثلاثة عناوين رئيسة ، هي (1) علم المقذوفات الداخلي internal الذي يدرس ما يحدث ضمن سبطانة السلاح ، ابتداء من كبس زر الإطلاق واشتعال بادئ الإيقاد/الإشعال ، وحتى خروج المقذوف من فوهة السلاح . الآخر هو (2) علم المقذوفات الخارجي external الذي يتناول سلوك المقذوف من فوهة السلاح ومسار طيرانه باتجاه الهدف . ويتناول هذا العلم صيغ معقدة جداً ، تتناول عوامل عديدة ، مثل شكل المقذوف ، كثافته المقطعية ، الضغط الجوي ، والتأثيرات البيئية الخارجية بشكل عام . أخيراً هناك (3) علم المقذوفات الطرفي أو النهائي terminal الذي يتعامل مع سلوك المقذوف عند ارتطامه بالهدف ، وبالتالي هو يطرح فرضيات الاختراق الجزئي أو الثقب الكلي وغيرها من نتائج وتأثيرات الاصطدام . ويبقى عنوان أخير يطلق عليه علم المقذوفات الوسطي Intermediate Ballistics وهذا ليس بعلم مستقل كما يبدو من أسمه ، بل هو حالة وسطية بين علم المقذوفات الداخلي وعلم المقذوفات الخارجي ، يهتم بدراسة سلوك المقذوف والغازات لحظة انبثاقها وصدورها عن فوهة السلاح .


علـــم المقذوفـــات الداخلـــي (1)

علم المقذوفات الداخلي Internal Ballistics هو العلم الذي يتعرض ويدرس الأداء الداخلي المقذوف ، لدي حركته في سبطانة السلاح وحتى خروجه من الفوهة ، حيث تكون قوة الدفع ، هي القوة الرئيسة المؤثرة على المقذوف . تبدأ سلسلة إطلاق النار عادة مع إيقاد بادئ الإشعال primer بواسطة نبضة كهربائية ، هذه العملية تتسبب في احتراق شحنة البادئ وإنتاجها لغازات ساخنة وجزيئات متوهجة ، تحقن بدورها ومن خلال ثقوب قضيب البادئ في شحنة الدافع propellant المحيطة بها ، وتنتشر هذه على شكل موجة لهب في غرفة الاحتراق مصحوبة بموجة ضغط pressure wave ناتجة عن تدفق الغازات (تعمل موجات الضغط للانعكاس والارتداد عن جوانب حجرة الاحتراق ، لذا هي تعبر ذهاباً وإياباً خلال شحنة الدافع .. هذا السلوك يكشف عادة كتقلبات وتبدلات سريعة في الضغط تكون مفرطة عند مؤخرة وقاعدة المقذوف وهو في الحجرة) حيث تتسبب الغازات الساخنة المتدفقة بين حبيبات الدافع granules ، في إيقاد سطوحها ويؤدي ذلك لإشعال كامل شحنة الدافع خلال أجزاء من الألف جزء من الثانية . وخلال هذه العملية تكون غرفة الاحتراق تكون مغلقة ومختومة عملياً بواسطة خرطوشة القذيفة ، لمنع هروب وتسلل الغازات والطاقة المحررة من بادئ الاحتراق وشحنة الدفع . إن عملية التفاعل بين بادئ الإشعال والشحنة الدافعة يجب أن تدرس بعناية ، فأي تقلبات أو تناقضات في عملية الإيقاد ، ستظهر نفسها على كامل السلسلة البالستية ، كاختلافات مهمة في سرعة الفوهة وحدود الارتداد وبالتالي تخفيضات في مستوى الدقة .


وحالما تبدأ عملية الاشتعال في حجرة الاحتراق ، فإن الطاقة الكيميائية المشتعلة للدوافع تتحول لطاقة حرارية ، تنشأ عنها غازات ساخنة جداً . هذه الغازات تتطور عن سطح كل قطعة منفصلة من حبيبات الدافع وتستمر في تعزيز الضغط في حجرة الاحتراق ، بذلك تزيد نسبة الاحتراق في الوقت الذي تتطور معه الغازات أكثر فأكثر بسرعة . تتسبب هذه الغازات في توليد ضغوط شديدة جداً في غرفة الاحتراق chamber ، تؤدي بدورها لتركيز هذه الضغوط المتصاعدة على قاعدة المقذوف (في المدافع محلزنة التجويف ، يواجه المقذوف مباشرة مع بداية تحركه الأخاديد اللولبية ، فيميل للتباطؤ أو التوقف حتى يتزايد الضغط بما فيه الكفاية لدفعه للأمام) ودفعه بسرعة عالية من حاوية الخرطوشة باتجاه فوهة السلاح ، وهذا سبب كون منطقة الاشتعال ونسبياً مقدمة الفوهة ، من أثخن المناطق في السبطانة . ويساهم عاملان رئيسان في توليد هذه الضغوط بالغة الذروة Peak Pressure ، العامل الأول هو التحرير السريع للغازات النشيطة energetic gases خلال المراحل الأولى من تسلسل الإطلاق ، والناتج عن وضع مقدار أكبر من حبيبات المادة الدافعة ، التي توفر قيمة عالية من الدفع المستمر ، وسرعة احتراق أعلى burning rate . العامل الثاني هو كتلة المقذوف ، والتي تميل مع تزايدها لتحقيق مقاومة أكثر للتعجيل ، وبالتالي التحكم بحجم المساحة التي ستتمدد وتتوسع خلالها الغازات ، وبذلك يتزايد الضغط ويبلغ ذروته (مع وجوب ملاحظة مستوى الإجهاد stresses الأقصى الذي يمكن للسبطانة تحمله تجاه ضغوط الغازات المرتفعة) . ويتم التأكيد على تناسب معدل احتراق شحنة الدافع مع الضغط المتولد ، حيث تكون الزيادة في الضغط مرتبطة ومصحوبة فعلياً بزيادة الغازات المنتجة .


إن عملية احتراق الدافع تتسبب في إصدار كمية كبيرة من الطاقة على شكل غازات ساخنة ، وبينما تسلسل عملية الإطلاق يتقدم ويتواصل ، فإن نسبة كبيرة من هذه الطاقة الناتجة عن احتراق الدافع موزعة ومتحولة لأشكال أخرى ، حيث يكون التوزيع النهائي لتسلسل الإطلاق : 32% حركة القذيفة +3% حركة الغازات الدافعة +3% خسارة احتكاك +20% خسارة حرارة للسبطانة والمقذوف +42% حرارة محجوزة ومحتفظ بها من قبل غازات الدافع = 100% هي مجمل الطاقة المحررة liberated من قبل الدافع (يتم فقدان بعض الطاقة الحركية نتيجة حركة ارتداد السلاح recoil motion أثناء الإطلاق ، هذه تقدر بنحو 0.5% من الطاقة الإجمالية المتوفرة) .

وبينما يبدأ المقذوف في التحرك للأمام ، فإن حجم غازات الدفع يبدأ في التزايد ، لأن الدافع يستمر في الاحتراق لفترة أطول ، وبالنتيجة فان قمة الضغوط تبلغ المقذوف بعد انتقاله لمسافة قصيرة من السبطانة ، تبلغ نحو عُشر الطول الكلي لسبطانة المدفع ، تكون عندها مادة الدافع قد احترقت بالكامل ، ويكون معها المقذوف قد تجاوز مسافة أبعد خلال السبطانة (مع ملاحظة أن هناك قوتان متعارضتان opposing forces يتصرف وفقها المقذوف وهو في السبطانة ، هما قوة الدفع الناتجة عن ضغوط غازات الدفع على قاعدة المقذوف ، وقوة الاحتكاك frictional force النسبية المعيقة لحركة المقذوف مع جدار السبطانة ، ويتفاوت تأثير هذه بين السبطانات محلزنة التجويف والأخرى الملساء) . ومع تعجيل المقذوف في تجويف السبطانة باتجاه الأمام ، فإنه يترك خلفه مساحة أكبر حجماً ، لكي تملأ بغازات الدفع عالية الضغط ، ولذلك يبدأ ضغط الغاز gas pressure بالانخفاض والتهاوي مع اقتراب المقذوف من فوهة السلاح ، نتيجة حالة التمدد والتوسع expansion الذي يتعرض لها . ومع ذلك لا يزال هناك ضغوط شديدة على طول السبطانة ، تساهم في تسارع وتعجيل accelerate المقذوف حتى خروجه من فوهة المدفع .

2‏/10‏/2012

الذخيرة الموجهة بدقة .. البداية من فيتنام .

الذخيــــرة الموجهـــــة بدقـــــة .. البدايــــة من فيتنــــــام

 

تعتبر حرب فيتنام المختبر الأول الحقيقي للذخيرة الموجهة بدقة guided munitions ، فالبداية الصعبة كانت مع القنابل غير الموجهة حرة السقوط ، والتي ساهمت في العديد من الانتصارات خلال الحرب . فهذه الأسلحة التي يطلق عليها اسم "القنابل الحديدية" iron bombs كانت مرعبة عند ارتطامها بالأرض ، كانت قادرة على تمزيق طبلة الأذن وإثارة الخوف والوهن في نفوس أكثر الجنود شجاعة ، واستطاعت شظاياها سحق وتدمير الكثير من المطارات الفيتنامية الشمالية وخطوط السكك الحديدية ، ومستودعات التجهيز ، وشبكة الأنفاق الأرضية ، ومجموعات مقاتلي "الفيتكونغ" Vietcong المختبئين في ظلال وأغطية الغابات . كان تأثير القنابل الصماء Dumb bombs مدمر ، كما شهدت معركة Tet العام 1968 وهجوم عيد الفصح العام 1972 ، ومع ذلك تسببت هذه الأسلحة بحوادث كارثية خلال مراحل عدة من الحرب ، فقد ضلت هذه القنابل طريقها لتضرب مستشفى Hanoi وتقتل 30 فرداً في ديسمبر العام 1972 . وتسببت قنبلة أخرى في مقتل العشرات من الجنود الأمريكان في وسط مرتفعات منطقة تقع في جنوب فيتنام ، الحادث نتج عن سوء الاتصالات الراديوية بين القوات الأرضية والجوية ، حين توجه الطيار بطائرته من الشمال للجنوب بدلاً من المنطقة الشمالية الغربية للمنطقة الجنوبية الغربية .


الإخفاق الآخر الذي واجهته القنابل الصماء يتمثل في العديد من حالات الفشل في إصابة الأهداف المعادية ، إذ بلغت مستويات الخطأ الدائري CEP للطيارين الأمريكان أكثر من 200 م عن نقطة التصويب aim point (انخفضت هذه في السنوات الأخيرة من الحرب لتصل لنحو 100 م فقط) واضطرت الطائرات المهاجمة للعودة من جديد للتصويب على ذات الأهداف المنشود (بلغت نحو 300 غارة خطرة على هدف واحد لتدميره) مع ما حمله هذا الوضع من خطورة ومجازفة . فقد تم رصد الكثير من الطائرات المغيرة بواسطة الرادارات الفيتنامية الشمالية ومن مسافات بعيدة ، فتم استدعاء الطائرات المقاتلة الاعتراضية ، كما أطلقت منظومات الدفاع الجوي الفيتنامية أسلحتها ، وبشكل أجبر الطائرات المهاجمة على إسقاط قنابلها في أماكن قريبة من أهدافها وبشكل غير مؤذي . اضطر الطيارون الأمريكان للهبوط والغطس مرة أخرى بشكل مباشر نحو أهدافهم ، لتتلقفهم النيران الأرضية . لقد تسببت المدافع المضادة للطائرات Anti-aircraft guns التي عادة ما تكون نيرانها دقيقة عند الارتفاعات ما دون 3000 م في معظم الخسائر الجوية الأمريكية . قتل أكثر من 3.200 طيار أمريكي في جنوب شرق آسيا خلال الفترة من 1961 وحتى العام 1972 . كم تم أسر بضعة مئات من الطيارين من قبل قوات فيتنام الشمالية ، وأثبتت العمليات الجوية التقليدية أن القصف الهائل لا يمكن أن يجلب نصراً مؤكداً ، و لم تستطع ثمانية ملايين طن من القنابل سوى إضافة المزيد من الدمار والخراب العشوائي ومقتل الآلاف من القرويين الأبرياء .


في ربيع العام 1972 استخدمت القوات الأمريكية لأول مره خلالعمليات الهجوم الجوية-الأرضية قنابل موجهة ليزرياً ، عندما قامت طائرات F-4D وF-4E مجهزة بأنظمة Martin AVQ-9 وFord AVQ-10 Pave Knife للتعيين الليزري ، بتدمير مجموعة من الأهداف الإستراتيجية بقنابل موجهة ليزرياً LGB من نوع Paveway . لقد كانت الأهداف الرئيسة لتلك الأسلحة هي الجسور الإستراتيجية في فيتنام الشمالية North Vietnam التي قامت بغزو الجنوب الفيتنامي . كان لهذه الجسور أهمية بالغة في إمداد المتمردين الشماليين بالسلاح والذخيرة بالإضافة لدعم هجومهم الآلي . وبعد عدة محاولات فاشلة لتدمير جسر Hoa Thanh الرئيس على النهر الأحمر باستخدام قنابل تقليدية صماء ، فإن ذلك الجهد لم يسفر سوى عن إصابته في أجزاء غير حساسة من هيكله ، ومقابل ذلك خسائر فادحة منيت بها الطائرات المهاجمة (الموقع كان بمثابة مقبرة سيئة السمعة لعشرات الطائرات المقاتلة الأمريكية للسنوات السبع التي سبقت العام 1972) ، لكن هذا الوضع تغير بعد استخدام القنابل الموجهة ليزرياً laser guided bombs للمرة الأولى في 13 مايو من العام 1972 ، فقد استطاعت طائرتان فقط مزودتان بهذا النوع من الأسلحة ، تدمير الجسر وبغارة واحدة فقط . لقد برهنت هذه الأسلحة على الأفضلية التعبوية وهي الدقة العالية في إصابة الهدف ، حيث أن مقدار الخطأ الدائري CEP لهذا القنابل لا يتجاوز 4-5 أمتار . وهكذا أطلقت القنبلة الموجهة ليزرياً Paveway من طائرة F-4 ، في حين كانت إضاءة الهدف تتم من قبل مشغل الأسلحة في المقعد الخلفي لطائرة F-4 أخرى مجهزة بحاويات نظام Pave Knife للتعيين الليزري .


بعد تدمير جسري Paul Doumer وThanhHoa في شهر مايو من العام 1972 ، أعاد سلاح الطيران الأمريكي ترتيب أولويات الهجمات النهارية ضد المناطق المُدافع عنها بعناية وشدة في فيتنام الشمالية ، مع استغلال واستثمار كامل القابليات للقنابل الموجه ليزرياً ، فتم مهاجمة طرق السكك الحديدية وشبكات الطاقة الكهربائية ومستودعات الوقود ومحطات الرادار والبث الإذاعي ومنظومات الدفاع الجوي الصاروخية وغيرها من الأهداف المشكوك بأمرها . لقد وفرت هذه الأسلحة إمكانية العمل في مستويات جيدة من السلامة ، وفي بيئة ومناطق شديدة الخطورة .


مع أن هذه الأسلحة شكلت جزء قليل من ذخيرة وأسلحة جو-أرض التي قامت الطائرات الهجومية strike aircraft لكل من سلاح الطيران والبحرية الأمريكية بإلقائها خلال حرب فيتنام ، إلا أن دقتها الشديدة التي لم يسبقها لها مثيل جعل استخدامها حلم جميع طياري تلك الحقبة ، فمن أصل أكثر من 10.500 قنبلة موجهة ليزرياً ، جرى إطلاقها في كافة أنحاء جنوب شرق آسيا Southeast Asia من تاريخ شهر فبراير العام 1972 وحتى فبراير العام 1973 ، كان هناك 5.107 قنبلة (ما نسبته48.1%) حققت إصابات مباشرة ، وعدد 4.000 قنبلة مع أخطاء دائرية محتملة CEP لنحو 7-8 أمتار . وللمقارنة ، تم تحصيل خطأ دائري خلال الأعوام 1965-1968 ، لأكثر من 150 م ، مع طائرة F-105 تقوم بالقصف وإطلاق قنبلتها غير الموجهة وهي بوضع الغطس dive-bombing ، تجاه أهداف تحت الحماية والدفاع الشديد في فيتنام الشمالية . ومع أن هذه الأسلحة تطلبت أجواء صافية حدد عملياتها حقيقتاً في ساعات النهار ، فإن دقتها في المقابل كانت تعادل 33-50 ضعف القنابل غير الموجهة .


ومع نهاية الحرب ، استطاعت الطائرات الأمريكية المجهزة بهذه القنابل تدمير نحو 104 جسر فيتنامي إستراتيجي ، بالإضافة لتدمير وقطع الطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية ، وسمحت دقتها بمهاجمة مواضع المدفعية المضادة للطائرات والدبابات والأهداف النقطوية الأخرى ، فقط مع قنبلة أو قنبلتين من هذا النوع لكل هدف (لم تحقق قنابل Paveway نسبة نجاح 100% خلال الحرب الفيتنامية ، إلا أنه ما من شك أن هذا النوع من القنابل خفض لدرجة كبيرة عدد الطائرات المطلوبة لتدمير أهداف نقطوية شديدة الحماية والتحصين) . وأشارت دراسة مستقلة أجريت بعد الحرب ، للعمليات التي أجريت خلال السنوات 72-1973 ، بأن أكثر من ثلثي القنابل الموجه ليزرياً LGB التي أسقطت من الطائرات الأمريكية ، استطاعت ضرب أهدافها ضمن مسافة 8 أمتار من نقطة التصويب ، وإن هذا التحسين الدراماتيكي المثير في دقة التصويب ، حقق تغييرات في الحرب الجوية أشبه بالتغييرات التي أحدثتها Blitzkrieg (أو الحرب الخاطفة lightning war) في ساحة المعركة خلال الحرب العالمية الثانية .

1‏/10‏/2012

منظومـــة نـــازع الدخـــان .

منظومـــــة نـــــازع الدخـــــان
 Fume extractor system


على مدى تاريخ من الزمن ، شكلت غمامة الدخان الناتجة عن دافع المسحوق الأسود black powder مشكلة حقيقية ، حجبت في كثير من الأحيان ساحة المعركة عن العدو والصديق في آن واحد . وعندما استخدمت دوافع النيتروسيليلوز Nitrocellulose (أو نترات السيليلوز ، وهو مركب سريع الاشتعال يدخل في تركيب متفجرات الديناميت ، ويتم الحصول عليه بغمس القطن بخليط من حمضين مركزين ، هما حمض الكبريتيك وحمض النيتريك) أطلق عليها مسمى "المساحيق عديمة الدخان" smokeless powders ، لأنها تولد دخان أقل بكثير مما يولده المسحوق الأسود . لكن حتى مع هذه الدوافع قليلة الدخان ، كان لا يزال هناك حجم كبير من نيران الاشتعال ترتب عليها كميات هامة من الدخان ، فكان البديل بإضافة المزيد من المواد الكيميائية للدوافع لتقليل الدخان ، ولكن هذا بدوره زاد من عامل الوميض الصادر عن فوهة السلاح . الدخان الصادر يكون عادة خليط ومزيج من مواد صلبة وسائلة من جزيئات معدنية متأكسدة ، ناتجة بالدرجة الأولى عن حاوية الخرطوشة cartridge case ومكوناتها ، هذه المكونات نفسها تساهم في خفض وحجب الرؤية أمام الرامي (درجة حرارة الجو والرطوبة النسبية تؤثران أيضاً على كثافة وطول عمر الدخان) . وهكذا جاء ابتكار منظومات نزع الدخان ، ففي السابق عندما كان الرامي يفتح مغلاق breech المدفع (عقب السلاح ومؤخرته) بعد كل عملية إطلاق لإعادة التلقيم ، كان الدخان وغازات شحنات الدافع المتبقية في جوف السبطانة ، تتسلل لمقصورة القتال المغلقة ، مما كان يتسبب معه في ضعف رؤية أفراد الطاقم وإيذاء تنفسهم . لذلك أصبحت قضية إزالة واستبعاد الغازات المتبقية ، اعتبار قياسي عند تصميم منظومات السلاح الرئيسة للدبابات ، حيث يعهد لهذه الأنظمة تنقية وتصفية جوف السبطانة من المخلفات الغازية لشحنات الدفع .


هذا التجهيز يصنع في تركيبته ، خصوصاً في الدبابات الغربية ، من البلاستيك المدعم بألياف الزجاج ، ويتم تركيزه وتثبيته من الخارج في منتصف سبطانة السلاح تقريباً (يميل أكثراً نحو الأمام في المدافع الشرقية) ، حيث يحتوي على ثقوب أو منافذ داخلية ممتدة لجوف السبطانة ، منها ما هو مخصص لدخول الغازات وأخرى مخصصة لتصريفها . أما طريقة عمل النظام فتكون كالتالي : بعد أن تعبر القذيفة حيز نازع الدخان ، فإن جزء من غازات الضغط العالي high-pressure gas الناتجة عن اشتعال المواد الدافعة ، تدخل تجويف نازع الدخان من خلال المنافذ أو الثقوب المخصصة لذلك ، لتشكل معها ضغط عالي في حيز التجويف ، وبعد أن تتجاوز القذيفة مقطع نازع الدخان ، فإن الغازات الدافعة تدخل تجويف النازع من منفذ التصريف ، لينغلق في ذات الوقت وبشكل تلقائي منفذ دخول الغازات .. هذه العملية تتسبب في شحن وحصر تجويف النازع بغازات مرتفعة الضغط ، تندفع هذه مرة أخرى بعد خروج القذيفة من منافذ التصريف باتجاه فوهة المدفع ، منتزعة في طريقها معظم الهواء الساخن المتبقي في جوف السبطانة الداخلي tube bore ، ومن ثم العمل على تنقيته وتبريده . ترتيب الأحداث هذا يخلق فراغ جزئي في جوف السبطانة ، وعند فتح مغلاق المدفع لوضع قذيفة أخرى ، فإن هذا الفراغ يعمل على سحب الهواء النقي في مقصورة القتال نحو جوف سبطانة المدفع ، دافعاً معه الهواء الساخن المتبقي خارج فوهتها .