9‏/9‏/2012

الدعم الناري المدفعي في التضاريس الحضرية .

الدعم الناري المدفعي في التضاريس الحضرية


المهمة الرئيسة والأكثر صعوبة بالنسبة للمدفعية ، هو الاضطلاع بدور مؤثر وحاسم ضد الدفاعات المعادية المضادة للدبابات وتوفير الدعم الناري الفعال . ففي البيئات المفتوحة يمكن للمدفعية أن توجه نيرانها ضد الخطوط الأمامية للدفاع ، بحيث تدمر الأسلحة المضادة للدروع المكشوفة أو المتخندقة ، أما في البيئات الحضرية والممدنة urbanized terrain فإن معظم الأسلحة المضادة للدروع تكون مخفية بشكل جيد تحت الأرض ، أو في المباني والإنشاءات الهيكلية المنتشرة في المدينة ، ولهذا يصعب تعيين الأهداف ، فمعظم الأهداف تمت تغطيتها من قبل العدو ، كما أن الممرات وطرق الحركة تم إخفاءها بعناية . فالعدو متحصن فوق قمة السقوف والأسطح للمباني المنتشرة ، وقد يستخدم مجاري الصرف الصحي أو الأنفاق للتنقل بين مواضعه (هنا يبرز دور وأهمية المراقبين الأماميين forward observer للاستطلاع وتحري مواضع الكمائن المحتملة) . ولذلك ينبغي تحديد واختيار نمط النيران المناسب لكل مهمة ، سواء المباشرة منها Direct Fire ، أو غير المباشرة Indirect Fire ، وكذلك اختيار الذخيرة الملائمة لمواجهة هذا التحدي .


ويمكن للمدفعية ابتداء أن تتمركز خارج أو في أطراف المدينة ، لتبدأ في دعم الهجوم المتقدم بنيرانها الكثيفة ، حيث يرتبط دور المدفعية في عمليات الدعم الهجومي Offensive Support بشكل عام ، بالمحافظة على زخم الهجوم والمحافظة على تحركات القوات الصديقة ، واستخدام نيران المدفعية لتمزيق وتشتيت دفاعات العدو المنظمة ، وكذلك توجيه نيران مركزة لعزل منطقة الهدف ، ودعم تقدم وهجوم الوحدات الصديقة assault support ، ودعم عمليات التطهير اللاحقة للمناطق التي تم الاستحواذ عليها ، وكذلك عزل وحرمان العدو من طرق وممرات التقرب للمواقع الصديقة . وينبغي الإشارة هنا لأهمية استخدام القذائف شديدة الانفجار بصمامات التأخير delay fuzes ، بهدف تطهير أسقف المباني بشظايا الانفجارات الجوية من القناصة وحاملي القذائف الكتفية المضادة للدروع (ينعدم تأثيرها عند اللجوء للأدوار السفلى) . أما في أدوار الدعم الدفاعي Defensive Support فإن المدفعية تعمل كامل جهدها في عرقلة وإبطاء تقدم الوحدات المعادية المدرعة أو من المشاة ، وتسلم هذه النيران عند أقصى مدى ممكن بهدف فصل وعزل الدروع والدبابات المعادية عن المشاة الداعمين لتحركها ، وإعاقة استخدام وسائل الاتصالات ووسائل النقل ، ومن ثم توجيه مركز الهجوم المعادي نحو مناطق القتل killing zones الصديقة والحليفة .


في التضاريس والبيئات الحضرية ، توفر المباني والإنشاءات مواضع غطاء و إخفاء ممتازة عن نظر ورصد العدو ، في ذات الوقت تعمل هذه على تقييد وتحديد قدرات القوات الصديقة على المراقبة (كما هو الحال مع المباني المرتفعة التي تعيق تسليم النيران غير المباشرة) . وتُعرض الأهداف في هذه التضاريس بشكل قصير وسريع ، وفي أغلب الأحيان بالقرب من مواقع القوات الصديقة ، مما يصعب معه من عملية اكتساب الأهداف . وهذا حقيقتاً ما حدا بالكثيرين للقول أن توظيف مدفعية الميدان في أنماط النيران المباشرة وغير المباشرة ، خلال القتال في التضاريس الحضرية يرتبط بعدة معوقات يجب النظر إليها قبل تقرير شكل الدعم الناري المطلوب ، ففي نمط الرمي غير المباشر تكون هذه النيران غير فعالة تجاه الأهداف المدرعة بسبب تراكيب البناء والجدران والإنشاءات ، فتميل القذائف للاصطدام بالأسقف والأدوار العليا بدل الارتطام بأهدافها المدرعة على الأرض ، مما يعني الحاجة لإنفاق حجم كبير من الذخيرة لإصابة هدف واحد . كما تتسبب المباني المرتفعة في خلق وإحداث منطقة ميتة dead space ، والتي تعني المنطقة التي لا تستطيع بها النيران غير المباشرة الوصول لمستوى الشارع ومشاغلة الأهداف منخفضة الارتفاع ، كالدبابات والعربات المدرعة الأخرى ، بسبب المباني المرتفعة ، وزاوية سقوط القذيفة projectile angle fall ، ولذلك تعتبر هذه المنطقة ملجأ آمن للعدو . وعادة ما تعادل المنطقة الميتة لرمي قذيفة مدفع قوسي عيار 155 ملم بزاوية منخفضة ، نحو خمسة مرات أكثر من ارتفاع المبنى الذي يجلس خلفه الهدف .


أما في نمط الرمي المباشر Direct Fire ، فيجب أن نعلم حقيقة أن المدفعية ذاتية الحركة Self-propelled لا تمتلك الحماية المدرعة الثقيلة كتلك التي تمتلكها الدبابات ، لكنهم يستطيعون العمل في البيئات والتضاريس الحضرية متى ما تم تأمينهم بشكل كافي بواسطة المشاة . ولذلك ينبغي أن تكون الاستعانة بالمدفعية في دور تأمين الدعم الناري المباشر direct-fire support بناء على دراسة وتحليل الحاجات الملحة للنيران الثقيلة . وعلى الأغلب في المعركة الحضرية urban combat ، تستطيع المدفعية في هذا النمط من النيران ، تعزيز ودعم reinforce مدافع الدبابات تجاه الأهداف الصلبة والقوية والأهداف المدرعة المعادية ، حيث تستطيع القذائف شديدة الانفجار توفير نيران ذات تأثير مدمر devastating affect واختراق أكثر من 90 سم من الأهداف الخراسانية والإنشائية من مسافة 2.200 م ، وبالتأكيد فإن تأثير الشظايا سيكون عنيفاً على الأهداف المدرعة ، خصوصاً الأجزاء خفيفة التدريع .


تجربة المعارك الحضرية الروسية في الشيشان عامي 94-1995 ، أظهرت أن نيران المدفعية المباشرة Direct-fire قد تكون أداة مفيدة في هذا النوع من أنماط القتال ، فعندما اقتحمت القوات الروسية العاصمة غروزني Grozny اكتشف الروس صعوبة استخدام المدفعية في نمط غير المباشر ، بسبب تواجد المباني العالية ونقص الأفراد المتخصصين في توجيه النيران ، هم واجهوا أيضاً صعوبات تقنية في أسلحتهم الرئيسة كالعربات المدرعة والدبابات ، التي عجزت عن التعامل مع فرق القناصة ومطلق قذائف RPG من الطوابق العليا للأبنية ، وهكذا استخدم الروس المدفعية القوسية Howitzer وراجمات الصورايخ ومدافع الهاون الآلية عيار 82 ملم في توجيه نيران أسلحتهم ، وفي أحيان كثيرة من مديات لا تتجاوز 150-200 م .

ورغم أن الجيش الروسي امتلك ذخيرة مدفعية دقيقة التوجيه ، يمكنها تسديد ضربات جراحية دقيقة ، أمثال القذيفة الموجهة ليزريا Krasnapol وقذائف الهاون الموجهة نوع Smelchak ، إلا أنها لم تستخدم ، وذلك لاقتناع القيادات الروسية العليا بعدم جدوى استقدام ذخيرة باهظة الثمن لكي تهدر wasted في الشيشان . كما أن القادة الذين لجئوا إلي تكتيكات نيران الدعم المباشر من مديات لا تتجاوز 200 م ، أفادوا أن الدقة المطلوبة لهذه المديات يمكن بلوغها بقذائف المدفعية التقليدية ، دون الحاجة لقذائف موجهة .


وفي الوقت الذي أصبح فيه سلاح المدفعية يمثل هذه الدقة العالية ، فقد طورت في الجانب المضاد ، أنواع من الرادارات الحديثة ، سوف تؤدي إلى الحد من خطورة هذا السلاح ، تجاه القوات المدرعة وتلك المرافق لها . وترسل هذه الرادارات الراصدة حزماُ من الأشعة المستوية ، لزاوايا مختلفة من هوائيات البث فيها ، وحين تقطع قذيفة معادية تلك الأشعة ، تتولد مجموعة من إحداثيات تحديد المكان ، تندفع إلى كمبيوتر الرادار الذي يقوم بحساب المسار الباليستي للقذيفة (يشير مصطلح ballistics لأسلوب وسلوك القذيفة projectile behavior خلال مرحلة الطيران) ويحدد مركز الإطلاق بالضبط ، ويتم الحصول على هذه المعلومات في بضع ثوان ، حتى قبل تسقط القذيفة الأولى ، خصوصاُ إذا كان بعد المدفع المهاجم 8000 م أو أكثر من ذلك . لقد فرضت هذه التكنولوجيا ، على سلاح المدفعية أتباع تكتيك (الإطلاق المتحرك) لأن كل قذيفة تطلق تنبؤ بمكان المدفع ، فيصبح بعد ذلك البقاء في مركز الإطلاق ، لأكثر من ثوان معدودة محفوفاُ بالخطر ، ومن هنا كان من الضروري أن تكون كافة بطاريات مدافع المستقبل ، ذاتية الحركة (بحيث تتوفر لها إمكانية الحركة لمسافة 12 م في بضع ثوان بعد كل عملية إطلاق) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق