13‏/9‏/2012

فيزياء عمل الشحنات المشكلة .

فيزيـــاء عمـــل الشحنــــات المشكلــــة


إن فيزياء عمل الشحنات المشكلة shaped charge معقدة جداً وحتى اليوم لم تفهم تماماً ، فقد أظهر العمل المبكر على هذه الشحنات ، تأثرها بالتراكيب البديلة ، بضمن ذلك تعديل زاوية المبطن أو تغيير سماكته ، فهذه يمكن أن تؤدي لتحصيل كتلة نفاث أسرع وأطول . جهود البحث والتطوير لمضاعفة قابليات الاختراق أخضعت بشكل كبير لاختبارات النجاح والفشل . وتبقى المشكلة الأبرز التي يواجهها هذا النوع من الشحنات ، والتي تتعلق باستقرار وتوازن القذيفة بواسطة دورانها حول محورها ، فهذا الدوران يسبب عملية طرد مركزي Centrifugal Force وتشتيت لسيل النفاث ، وبالتالي يزيد من قطره وبعثرته ، مما يقلل معه من قوة وفاعلية تركيزه (أظهرت الاختبارات الميدانية أن رؤوس الشحنات المشكلة عند إخضاعها للدوران المتسارع تحدث ثقوب بقطر أكبر لكن مع قابلية اختراق أقل لنحو 50%) . لهذا السبب يحرص مصممي المقذوفات والصواريخ المضادة للدروع على جعل عملية الموازنة أثناء الطيران تتم بواسطة زعانف خارجية صغيرة ، تضمن أقصى استقرار ممكن للمقذوف أثناء طيرانه .


الشحنة المشكلة في تركيبها البسيط تتضمن جسم أسطواني من الفولاذ أو الألمنيوم أو غيره ، مملوء بمادة شديدة الانفجار ، ويكون الجزء الأمامي للاسطوانة على شكل هندسي متناسق ، مثل تجويف مخروطي conical cavity أو نصف كروي hemispherical ، أو بيضوي ellipse أو هرمي pyramid أو مخروط ثنائي الزوايا dual angle cone ، أو أي شكل آخر مقوس مجهز ببطانة معدنية مثبته بإحكام خلال حيطان التجويف (عادة ما تكون هذه من النحاس أو أي معدن آخر) . ويتم وضع صاعق تفجير في مؤخرة الاسطوانة ، وعند تحفيز وإشعال المادة المتفجرة ، فإن جميع الطاقة الكيميائية المخزنة في المادة المتفجرة تتحول إلى موجة كروية خارجية متكاثرة وضغوط مرتفعة جداً ، تندفع على طول محور التناظر لتغمر بطانة التجويف (نموذجياً تتطلب موجة الإنفجار فقط 6 مايكرو/ثانية للوصول إلى قمة المبطن) . وتقود هذه الموجة نحو تحطيم وسحق البطانة المعدنية الداخلية في التجويف وعصرها لتبدو كمائدة سائلة لزجة viscid fluid (رغم إنها ليست كذلك) بتأثير ضغوط الغازات المتمددة ، ولحد أقل بتأثير درجة حرارة المتفجر . ولتوضيح هذه الجزئية تحديداً نقول أن النفاث في حقيقته يكون في حالة صلبة كما أظهرت صور الأشعة السينية X-ray وليس سائلة كما كان يعتقد من قبل . كما أن ألوان التوهج الحراري التي عرضتها الاختبارات ، افترضت قيمة متوسطة لحرارة سطح النفاث عند 400-500 درجة مئوية (مع بعض البقع الساخنة الموضعية) في حين أن النحاس يذوب عند حرارة 1083 درجة مئوية ، لذلك الثقب الناتج عن النفاث عالي السرعة في كتلة الدروع ليس له علاقة في الحقيقة بقضية الإنصهار أو الذوبان . هذه النتيجة تم الوصول لها باستخدام تقنيات أجهزة قياس الإشعاع تحت الأحمر ثنائي الألوان two-color infrared radiometry .


أثناء هذه العملية وخلال أجزاء من المليون من الثانية ، مادة المبطن تواجه حالة تشويه عنيف جداً تعرف باسم "الإنهيار" collapsing مع نسب إجهاد مرتفعة جدا . بعد مرحلة الانهيار بنحو 9 مايكرو/ثانية ، تبلغ مادة البطانة نقطة الخضوع yield point ، بحيث تبدأ مادتها تحت تأثير الإجهاد والضغط المتنامي بالتشوه لدائنياً لتشكيل النفاث والاندفاع نحو محورها المركزي . هذه العملية أو الظاهرة التي تدعى "التدفق الهايدروديناميكي" hydrodynamic flow (في الفيزياء ، ديناميكا الموائع هو العلم الذي يهتم بالملكيات الميكانيكية للسوائل ، مثل سرعة تدفقها ومدى لزوجتها وغير ذلك من المفاهيم المرتبطة) تؤدي لتشكيل وتكوين نفاث بصيغة محددة ، يتقدمه رأس النفاث jet tip الذي يتحرك بسرعة عالية جداً على طول محور المواجه لقاعدة المخروط ، حيث تكون أغلب المادة النفاثة ناشئه عن الطبقة الأعمق للمبطن ، أو نحو 15-20% من سماكته . ويؤدي التدفق اللدن الناتج إلى حدوث توسع وتمدد شعاعي radial expansion في مادة الهدف حول محور النفاث ، بحيث يثقب جسم الهدف ويعمل على توسعة الثغرة الناتجة (في الفيزياء ، حركة التدفق اللدن تحدث في المواد تحت الضغط المفرط والشديد ، حيث تتدفق المادة كهيئة لزجة جداً ولا ترجع إلى شكلها الأصلي بعد زوال الضغط) . في النهاية ، يتوقف النفاث اللدائني وينقطع بعد أن يحدث تجويف عميق بهيئة مخددة أو محززة furrowed cavity . هذا الناتج في الواقع يمثل أغلب طاقة النفاث المحولة والمنقولة إلى كتلة الهدف ، مع ملاحظة أن أي تزايد في حالة عدم الإستقرار للنفاث أو أنجرافه ستؤدي بالنتيجة إلى إختراق خارج المحور ، مما يعني قابلية إختراق محدودة .. وبسبب الاختلاف والتفاوت في سرعة انهيار البطانة على طول مادتها ، وهذه ناشئة عن تلقي واستقبال بعض أجزاء طبقة البطانة ضغوط انفجار أكبر من الأجزاء الأخرى ، فإن تشكيل النفاث الناتج سيكون له سرع متفاوتة على طول قطاعه . ونتيجة لوجود هذا التدرج الإنحداري في السرعة ، فإن النفاث سيتمدد ويستطيل stretch حتى يتمزق إلى عمود من الجزيئات . هذا التفتت لسيل النفاث أو التجزؤ هو من يتسبب في هدر وخسارة عمق الإختراق . فعندما يتجزء سيل النفاث ، فإن جزيئاته الفردية لن تصطف وتترتب بشكل مثالي وسوف تقوم عادة بالإصطدام في الحائط الجانبي للحفرة المشكلة مسبقاً ، ولن تتصرف هذه بالنتيجة لزيادة عمق الإختراق penetration depth . هكذا ، مجموع الطول الكلي للنفاث لن يساهم فعلياً في عملية الإختراق ، وجزيئات النفاث الخلفية أبداً لا تصل إلى قاع الحفرة . لهذا السبب ، فإن من المفيد عند تصميم الشحنات المشكلة مراعاة بقاء النفاث الناتج مستمراً ومتماسكاً طالما كان ذلك ممكناً وذلك بزيادة فاعلية مسافة المباعدة standoff performance (مسافة المباعدة هي المسافة بين قاعدة بطانة الشحنة المشكلة وسطح الهدف المستهدف) .


إن كتلة النفاث الرئيسة عند تشكلها تتحلل إلى جزءان منفصلان ، هما العنق ورأس النفاث . ولكي نفهم تشكيل هذه الأجزاء ، فمن الضروري بحث ودراسة العلاقة بين نسبة كتلة مادة البطانة إلى كتلة المادة المتفجرة ، أو بمعنى آخر نسبة المعدن لشحنة التفجير metal-to-charge ratio ، التي تأخذ الرمز M/C . حيث يشير الحرف C لكتلة المادة المتفجرة لكل وحدة طول من القذيفة ، والحرف M يشير لكتلة المعدن لكل وحدة طول من القذيفة . هذه النسبة عامل رئيس في تقرير السرعات المرتبطة بالنفاث ، حيث يفترض لتقرير نسبة M/C ، تناول وأخذ مواضيع هندسة المتفجرات explosive geometry وكذلك خواص المعادن بنظر الدراسة والاعتبار .. على سبيل المثال ، عند ملأ سبطانة معدنية بمادة متفجرة ، فإن الكتلة الكلية للمعدن المستخدم الذي يحتوي المادة المتفجرة سوف تقَارن وتضاهى بكتلة المادة المتفجرة . حيث سيلاحظ أن أي مقطعين من السبطانة لديهما نفس الطول سيمتلكان نفس كمية المعدن وكتلة الشحنة المتفجرة . وفي حال جرى تقسيم أو تنصيف halved أحد تلك المقاطع ، فإن كتلة المعدن وكتلة المادة المتفجرة ستكونان كلاهما منصفة أيضاً . لهذا السبب ، فإن نسبة M/C تكون مستقلة في الطول لكل مقطع .. إن هندسة المتفجرات والمعادن في الشحنة المشكلة shaped charge تكون مطبقة في المخروط المجوف المحاط بالمادة المتفجرة ، والذي يتم تغليفه من قبل الاسطوانة الحافظة . فعلى خلاف السبطانة المملوءة بالمادة المتفجرة سابقة الذكر ، فإن نسبة M/C لهذه الهندسة تعتمد على طول المقطع المقسم . هذا ينتج من حقيقة أن نسبة M/C تزداد من قمة طرف المبطن إلى قاعدته ، ولهذا السبب المبطن والمادة المتفجرة المحيطة به مقسمة ومفرقه إلى مقاطع أو أجزاء ، ونسبة M/C محددة ومحسوبة لكل مقطع . بشكل عام ، مع نسبة M/C أصغر وأقل ، فإننا نتحصل على سرعة نهائية أكبر وأعلى للعنصر الذي سيتولد وينتج . إن نسبة M/C للمبطن الداخلي المعدني ستكون أقل عند قمة رأس المخروط وتزداد صوب قاعدته . لذلك ، هو يظهر بأن المادة في قمة المبطن تنجز السرعة الأقصى maximum velocity للنفاث .. وفي حين أظهرت الاختبارات أن رأس النفاث قادر على بلوغ سرعة 7-10 كلم/ث أو أكثر في الهواء (نحو ثلاثون مرة ضعف سرعة الصوت) ، فإن عنق النفاث الذي يمثل أغلبية طول النفاث الملاحظ (منتج عن جزء المبطن بين نقطة الرأس وقاعدة المخروط) يتحرك بسرعة أكثر انخفاضا تبلغ نحو 2-3 كلم/ث ، بينما تتحرك الكتلة المعدنية اللاحقة slug بالسرعة الأكثر انخفاضاً ، أو نحو 0.5-2 كلم/ث ، حاملة معها نحو 80-85% من كتلة البطانة المعدنية . إن تحقيق السرعات المتطلبة والمرجوة يعتمد بشكل عام على نوع الشحنة المتفجرة المستخدمة وأسلوب حجزها ، المواد المستخدمة ، ونمط تلقين أو إيقاد الشحنة المتفجرة .


لقد أثبتت الاختبارات أيضاً أن رأس النفاث jet tip يستطيع بلوغ سرعته القصوى خلال نحو 40 مايكرو/ثانية فقط (40 جزء من مليون جزء من الثانية) بعد مرحلة الانفجار ، بحيث يوفر تعجيل لرأس المخروط يبلغ نحو 25 مليون G . هذا الاختلاف في السرعة يتسبب في تمدد وتوسع كتلة النفاث ، ويمكن أن يؤدي في النهاية إلى تفتيتها وتمزيقها إلى عمود من الجزيئات ، وبمرور الوقت تميل هذه الجزيئات إلى فقد اصطفافها وتماسكها alignment ، وهو ما يخفض من عمق الاختراق في مسافات المباعدة الطويلة (عندما يتمزق النفاث ، فإن جزيئاته الفردية لن تصطف بشكل مثالي ، وستعمل هذه على تحقيق ارتطامات جانبية بحائط الحفرة المشكلة سابقاً ولن تتصرف لزيادة عمق الاختراق) . وعندما يضرب رأس النفاث مادة الهدف فإن الضغط الذي يمارسه هذا الجزء في الحفرة المشكلة على جسم الهدف يمكن أن يبلغ 10,000,000 من الضغط الجوي لتبدأ عملية اختراق الهدف . كما أظهرت الاختبارات أن المادة في أقصى مقدمة النفاث تفرض عملية شبه تآكلية erosion-like ، بحيث يستمر تآكل الهدف حتى استهلاك واستنفاذ جميع مادة النفاث . وتجبر مادة الهدف المقساة للتدفق لدائنياً خارج طريق ومسار النفاث (أحد الأمور المدهشة هنا أن الحرارة لا تلعب أي دور تقريباً في الاختراق ، حيث أنه ببساطة لا وقت لانتقال الحرارة ، لأن العملية بكاملها من الإيقاد وحتى الاختراق تتم خلال 150 جزء من المليون من الثانية ، أو 150/1000,000 ثانية) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق