16‏/8‏/2012

ذخيرة الطاقة الحركية الروسية APFSDS .

ذخيــرة الطاقــة الحركيــة الروسيــة APFSDS


ارتبطت محدودية أداء مدافع الدبابات الروسية 2A46 فيما مضى ، من ضمن أمور أخرى بسوء تصنيع ذخيرتها ، وتحديداً قذائف APFSDS (اختصار خارقة للدروع مثبتة بزعانف نابذة للكعب) . ولا يزال هناك بعض الموانع والمعوقات التقنية technical hurdles أمام التجديد ، ربما كان أبرزها حجم وأبعاد منظومة الملقم الآلي autoloader التي تجهز الدبابات الروسية الحديثة أمثال T-80 وT-90 ، إذ تقف هذه حجر عثرة أمام تقديم حلول جذرية للمشكلة ، وتفعيل معادلة الطول/القطر اللازمة لزيادة الطاقة المنقولة بواسطة خوارق الطاقة الحركية . من ناحية أخرى ، ارتبطت محدودية الأداء في مراحلها الأولى من الإنتاج ، بضعف المواد المستخدمة في تصنيع هذا النوع من الذخائر ، فالسوفييت عندما اعتمدوا الذخيرة APFSDS للاستخدام ، خصيصاً مع دباباتهم متوسطة الحجم T-62 ، كان ذلك بغرض الاستفادة من سرعتها العالية ونيرانها المباشرة بعيدة المدى لتحقيق ضربات مؤثرة . فقد سلحت هذه الدبابة التي دخلت الخدمة في بداية الستينات ، بمدفع أملس الجوف عيار 115 ملم من طراز U-5TS(2A20) ، كان قادراً في وقتها على إطلاق قذائف طاقة حركية مثل القذيفة BM-6 ، بسرعة فوهة أعلى من تلك التي تحققها المدافع الغربية من عيار 90 ملم و105 ملم . إلا أن السوفييت لجئوا لسبائك الفولاذ في تصنيع خوارق مقذوفاتهم ذات الطاقة الحركية بدلاً من التنغستن tungsten ، وذلك على ما يبدو نتيجة حاجتهم لكميات كبيرة من هذه المادة مكلفة الإنتاج (أنتجوا من النوع T-62 فقط ، نحو 20.000 دبابة) ، وهكذا لعبت اعتبارات التصنيع دوراً مهماً في إنتاج ذخائرهم . وحتى عندما بدءوا تطوير مقذوفات المدفع 2A46 من عيار 125 ملم ، فإنهم استهلوا عملهم على الخوارق المصنعة من سبائك الفولاذ ، كما في القذيفة 3BM9 التي قدمت في العام 1962 . فالفولاذ متوفر بكثرة ويسهل تصنيعه ، كما أنه يتميز بصلابة عالية ، مما هيأه أكثر للعمل كخارق penetrator لمقذوفات الطاقة الحركية . وعلى الرغم من انخفاض فاعلية تأثيره واختراقاته على الأهداف المقساة والمصلبة ، مقارنة بالمعادن الأخرى الأكثر كثافة ، إلا أن فاعلية إطلاقاته في السرعات العالية في ذلك الوقت كانت مقبولة نسبياً . إن مقذوفات أمثال 3BM9 و3BM12 أثبتت عند اختبارها في الغرب أفضلية عند إطلاقها حتى مسافة 1900 م ، حيث امتلكت هذه خصائص طيران أفضل على سبيل المثال من تلك التي تمتلكها قذيفة الطاقة الحركية الألمانية DM-13 . إلا أنه لوحظ أن هذه المقذوفات بعد قطعها مسافة 1800-1900 م ، تميل للهبوط بحدة مع تزايد مقاومة الهواء air resistance ، ويبدأ المقذوف بالانحدار أسرع مما هو متحصل مع خارق القذيفة الألمانية DM-13 . وسبب هذا في أحد أوجهه على ما يبدو ، يعود إلى أن المصممون السوفييت توقعوا مديات اشتباك عند هذه الحدود في أي نزاع محتمل ضمن ساحات أوربا الوسطى . ولمراقَبة اتجاه طيران المقذوف ، فقد جهزت مؤخرته بخطاط راسم tracer ، الذي يشتعل تلقائياً في تجويف السبطانة أثناء الإطلاق . احتراق مادة الخطاط لنحو 2-3 ثانية يترك أثر مرئي من النار الحمراء على طول مسار المقذوف .


لضمان تحقيق سرعة الفوهة العالية ، حرص السوفييت على اختيار تصميم للقبقاب يتصف بخفة الوزن ، أطلق عليه "القبقاب الحلقي" ring sabot والذي يضع قرصاً محصوراً حول مركز الخارق عند المقدمة . يستعين هذا النوع من القباقيب بمجموعة زعانف اتزان خلفية rear fins التي تأخذ نفس قطر السبطانة (عادة تتكون هذه المجموعة من خمسة أنصال) للمساعدة على تمركز وثبات الخارق في قلب السبطانة . ويشكل القبقاب ذو الثلاثة مقاطع ، حلقه دائرية وحيدة رقيقة تحيط بقضيب الخارق ، كما تمنع هذه هروب غازات الدافع وتعمل على تثبيت مركز مقدمة الخارق في السبطانة . تنفصل أجزاء هذا القبقاب وتسقط على الأرض بسبب قوة الطرد المركزية centrifugal force الناتجة عن دوران حلقة الارتكاز الرئيسة ، بحيث تتفرق عند ± 2 درجات من اتجاه الطيران على مسافة من 150-1000 م . ومع أن وزن هذا القبقاب أخف كثيراً من نموذج "البكرة" spool قيد الاستخدام الآن مع خوارق الطاقة الحركية في الغرب ، حيث استطاعت مقذوفات APFSDS المبكرة للمدفع 125 ملم ، تحقيق سرعة فوهة عالية جداً ، بلغت نحو 1800 م/ث ، إلا أن استخدام هذا التصميم عنى أن زعانف الذيل وكذلك القبقاب ، كان لا بد أن تكون على اتصال وتماس مع حيطان جوف السبطانة ، لإبقاء القذيفة مصطفة بشكل صحيح وملائم طالما هي لا تزال في داخل السبطانة . لقد تسببت هذه الزعانف الكبيرة ، كما في المقذوفات 3BM-15 و3BM17 و3BM22 .. وغيرها من النماذج اللاحقة ، في إحداث قدر كبير من المقاومة والإعاقة البالستية ballistic drag ، للحد الذي تبدأ معه مقذوفات APFSDS بالتباطيء والهبوط بشدة خلال مراحل طيرانها الطرفية ، رغم سرعة فوهة الإطلاق العالية (بشكل عام تبلغ معدلات خسارة السرعة velocity loss بالنسبة لمقذوفات الطاقة الحركية ما بين 60-140 م/ث لكل كيلومتر ، وذلك حسب تصميم الخارق وسرعة الفوهة) مما خفض معه من قدرات اختراقها penetration ، خصوصاً على المدى البعيد .


العامل الآخر الذي أثر حقيقتاً على فاعلية تأثير قذائف APFSDS الروسية هو طبيعة التصميم . فهذه الذخائر مصممة من جزأين غير متصلين ، حيث يخزن المقذوف وشحنة الدافع الرئيسة بشكل مفصول عن الآخر ، ويتم شحنهما في عقب السلاح الواحد بعد الآخر من قبل منظومة تلقيم آلية autoloader . الجزء الأول للذخيرة ، هو عبارة عن حاوية اسطوانية التي تدخل ابتداء لعقب السلاح وهي تحمل شحنة الدافع الإضافية . مادة الدافع عبارة عن مسحوق أنبوبي وضع بانتظام حول جسم المقذوف وبين أنصال زعانف الاتزان . أسفل هذه الاسطوانة يوجد فتحة مركزية ، جرى سدها وختمها مع نسيج قماشي عازل. هذا التصميم عني بأن قضيب خارق الطاقة الحركية للمقذوف ، مرتبط بطول حاويات الخزن stowage cells في الملقم الآلي . في الدبابة T-72 على سبيل المثال ، نجد أن أبواب رافعة الذخيرة مهيأة للسماح بمرور مقذوف بطول 677 ملم فقط خلالها ، وهكذا لو قررنا على سبيل المثال استخدام القذيفة الأمريكية M829A1 مع الملقم الآلي للدبابة الروسية ، فإن مقطع الخارق الذي يبلغ طوله 780 ملم من إجمالي طول القذيفة البالغ 98.4 سم ، لا يمكن ببساطة موائمته مع هذا النظام (تطلب الأمر بعض التحسين في ملقم الدبابة T-90 لاستقبال مقذوفات بطول 750-770 ملم ، مما أتاح استخدام الخارق الأطول للمقذوف 3BM42M) . ويرى الخبراء أن هذه النقيصة تكمن في أساس تصميم الدبابة وليس في ذات المدفع ، وهذا يمثل جزء من الثمن الذي دفعه الروس مقابل دمج وضغط الملقم الآلي في هيكل الدبابة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق