31‏/7‏/2012

تاريخ الشحنة المشكلة .

تاريـــــخ الشحنـــــة المشكلـــــة


الإشارة الأسبق لمبدأ الشحنة المشكلة Shaped Charge ظهر في العام 1792 ، عندما لاحظ مهندس تعدين ألماني هو "فرانز فون بادر" Franz von Baader هذا التأثير ، الذي يفترض بأنه نشره على ورقة بحثية في مجلة "عمال المناجم" Miner's في شهر مارس من نفس السنة ، تحت اسم "التحقيق في نظرية الانفجار" Investigation of a Theory of Blasting . وكما هو منصوص تاريخياً ، فإن مهندسي التعدين آنذاك ، الذين استخدموا المتفجرات كثيراً في عملهم ، كانوا على دراية ومعرفة بإمكانيات أدوات الشحنات المشكلة ، حيث دأب هؤلاء على ملاحظة أن إدخال تجويف فارغ في مقدمة مادة متفجرة يسمح بتركيز قوة الانفجار وطاقته في اتجاه واحد وفي منطقة صغيرة نسبياً . مع ذلك ، الاكتشاف الحقيقي لتأثير الشحنة المشكلة يعود إلى العام 1883 (هذه الظاهرة معروفة في أوروبا باسم تأثير فون فوستر von Foerster أو نيومان Neumann) ، عندما قام دكتور صيدلي أمريكي يعمل بالقوة البحرية الأمريكية ، هو "تشارلز إدوارد مونرو" Charles Edward Munroe (مخترع المتفجرات بدون دخان ومؤلف أكثر من 100 كتاب في المتفجرات والكيمياء) ، بإجراء اختباراته في مجال المتفجرات الخاصة بالرؤوس الحربية للطوربيدات في ميناء Newport ، ولكن نتائج اكتشافه لم تلقى أي اهتمام أو تطبيقات عملية . قبل ذلك ، لاحظ مونرو قابليات استخدام أدوات الحفر بالمتفجرات ، ووصف تأثير التجويف في تركيز طاقة الانفجار العام 1888 ، عندما لاحظ أن إضافة تجويف لهذه الأدوات يؤدي إلى اختراق أعمق في الصفائح المعدنية . مونرو صنع أداة استخدمت هذه الأفكار مع صحيفة من القصدير أحاطت بأعواد الديناميت المتفجرة ، واستعمل هذه لفتح ثغرة في خزانة معدنية (العمل وتأثيرات هذه التجربة وصفت في مجلة العلوم الشعبية ، العام 1900) . أعيد في مرحلة لاحقة إحياء الابتكار أو تأثير مونرو من طرف عالم آخر ، هو الألماني "فون نيومان" Von Neumann في العام 1911 ، الذي طور الفكرة باستخدام متفجرات من نوع TNT . لقد أكتشف نيومان أن اسطوانة بتجويف مخروطي مع 247 غرام من المواد المتفجرة ، تنتج اختراق أعظم من اسطوانة صلبة (شحنة مسطحة ومنبسطة) مع مادة متفجرة بوزن 310 غرام . وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) بدأ الاهتمام الحقيقي بهذا النوع من الرؤوس الحربية ، عندما طورت أسلحة جديدة كوسائل فعاله مضادة للدبابات ، وتحديداً في العام 1935 ، عندما قام مهندس كيميائي سويسري هو الدكتور "هنري موهابت" Henry Mohaupt بتطوير المفهوم من جديد ، حيث أسس الرجل مختبر في زيوريخ/سويسرا لتطوير الأسلحة المضادة للدبابات التي يمكن أن تستخدم من قبل جنود المشاة . انتقل موهابت في 18 أكتوبر العام 1940 للعمل في الولايات المتحدة على مشروع أول سلاح أمريكي مضاد للدبابات مع شحنة مشكلة ، هو القاذف الكتفي "بازوكا" bazooka . لقد جاء موهابت بفكرة وضع بطانة داخلية في أواخر العام 1935 كاكتشاف عرضي على ما يبدو ، وكما هو الحال مع العديد من الاكتشافات الأخرى المهمة (رغم أن هناك من ينسب هذا الفضل للألماني فرانز تومانك Franz Thomanek) ، حيث أجرى اختباراته بالمخاريط الفولاذية المجوفة hollow steel cones في الزوايا من 22 وحتى 45 درجة ، وسجل براءة اختراعه في تاريخ 9 نوفمبر العام 1939 . وفي الحقيقة ، ينسب البعض لهذا العالم الفضل في تطوير الشحنة المشكلة بمعناها الحديث .




مفهوم الشحنة المشكلة جذب انتباه البحرية البريطانية . وتظهر سجلات المدفعية البحرية Naval Ordnance بأن العام 1913 شهد دراسة استخدام الشحنات المشكلة كرؤوس للطوربيدات الحربية torpedo warheads . الجيش البريطاني في المقابل كان أكثر شكاً في قابليات التركيب الجديد ، واعتبر أن استخدام الشحن المشكلة في المقذوفات كان غير عملي ، لأنه سيكون من الصعب منع وإعاقة الحركة الأمامية للشحنة عند الاصطدام بالهدف . بالإضافة إلى أن صمام القاعدة base fuse ما كان ميزة مقبولة في ذلك الوقت .. هكذا وعلى الرغم من الفوائد الظاهرة والمثبتة للشحنات المشكلة ، هم لم يستخدموا في الحرب العالمية الأولى . أثناء السنوات من 1941 إلى 1945 ، بحث تجريبي ونظري شامل افترض في بريطانيا ، الذي أدى إلى زيادة كبيرة في معرفة الآليات المعقدة complex mechanisms لتشكيل النفاث والتفاعل الحاصل بينه وبين الهدف . ومع نهاية العام 1942 ، ظهر جلياً أن تأثير الشحنة المشكلة لم يكن ببساطة نتيجة تركيز الطاقة المتفجرة فقط ، لكن كان بالأحرى ضمن عملية معقدة تشمل : نوع وشكل وحجم الشحنة المتفجرة ، المسافة بين المبطن والهدف ، والوسط الذي سيعبر خلاله النفاث قبل وصوله للهدف . هكذا ، عند نهاية الحرب العالمية الثانية ، النظرية الأساس للشحنات المشكلة basic fundamental theory فهمت وتم إدراكها لحد كبير .




العلماء الألمان أمثال "كارل كرانز" Carl Cranz ، "هوبرت سكاردين" Hubert Schardin و "فرانز تومانك" Franz Thomanek درسوا بدورهم في الفترة 1926-1929 تأثير الشحنة المشكلة ، وسجلوا العديد من ملاحظاتهم الخاصة والمثرية حول هذا الموضوع . وفي الثلاثينات ، مبدأ الشحنة المشكلة أخذ بجدية في الدوائر العسكرية الألمانية ، وبدأت مدفعية الجيش تطويراً بحثياً في ثلاث اتجاهات ، الأول يخص شحنات وعبوات التهديم demolition charges والتجاويف نصف كروية للشحنات المختلفة . المسار الثاني تمحور حول قنابل البنادق مع الشحنات الكروية غير العميقة shallow spherical . وأخيرا بحث العلماء الألمان في تطوير مقذوفات الشحنة المشكلة للمدافع المضادة للدبابات anti-tank guns . وبحلول العام 1937 ، كان لدى بعض العلماء الألمان أمثال سكاردين بعض الأفكار الاحتمالية والتفسير العلمي لتأثير الشحنة المشكلة . من جهة أخرى ، وفي التجارب المعدة لاختبار الفرضيات ، عمل الدكتور فرانز تومانك في فبراير العام 1938 على اكتشاف أهمية بطانة التجويف cavity liner بعد ملاحظة عرضية (سجل براءة اختراع ألمانية بشكل سري بتاريخ 9 ديسمبر 1939 وطلب منه الرايخ تحسين أداء البطانة) . حيث استخدم أولاً مادة الزجاج في التجربة وبحث التأثير . الاختبارات اللاحقة أجريت فوراً بالمواد الأخرى كالفولاذ والنحاس الخفيف وأمكن تحصيل عامل اختراق بلغ نحو ضعفي قطر الشحنة المستخدمة في الاختبارات الأولية . أختبر تومانك البطانات ناقوسية الشكل والنصف كروية والمخروطية المصنوعة من النحاس ، وأنتجت هذه تحسين لنحو خمسة أضعاف قابلية الاختراق بالمقارنة مع الشحنات غير المخططة unlined charges . لقد كشفت التجارب على الأهمية الحرجة لسماكة مبطن المخروط والحاجة للسيطرة عليه (بمعنى آخر دقة الصناعة) . أشكال البطانة درست أيضاً ، وأثبت المبطن نصف الكروي hemispherical liner أن يكون أحد الأشكال الفعالة التي تم تبنيها من قبل المهندسين الألمان . تأثير مسافة المباعدة standoff قرر أيضاً وأمكن حسابه . أسس تومانك بعد ذلك شركة لتطوير وصناعة أسلحة الشحنة المشكلة لحساب الرايخ الألماني ، حيث تولت شركته تطوير وتصنيع أكثر من خمسة ملايين عنصر ذخيرة ، بضمن ذلك قذائف المدفعية ، قنابل البنادق ، الألغام الأرضية ، الذخيرة الفرعية للطائرات .. وغيرها . أما أول سلاح مضاد للدروع دخل الخدمة الفعلية وهو مجهز بهذا النوع من الرؤوس ، فهو الألماني Panzerfaust ، عندما أطلق الألمان على هذا النوع من الرؤوس اسم Hohlladung .




ويذكر التاريخ كيف صمم المهندسين الألمان في أواخر الحرب العالمية الثانية وأنتجوا أضخم سلاح جوي في العالم بشحنة مشكلة ، أطلق عليه Mistel ، للاستخدام ضد السفن والتحصينات الأرضية . هذا السلاح عبارة عن طائرة مملوءة بالمتفجرات تحمل من قبل طائرة مقاتلة أخرى صعدت بالأعلى منها . حيث تضمن المخطط استبدال كامل مقصورة الطاقم الواقعة في مقدمة هيكل طائرة بشحنة تفجير مشكلة التي بلغ إجمالي وزنها 3500 كلغم . وتتولى المقاتلة إطلاق هذه القنبلة الطائرة نحو هدفها ثم بعد ذلك تعود لقاعدتها . المبطن المخروطي مشابه في تصميمه للرأس الحربي لسلاح Panzerfaust الكتفي المضاد للدروع ، وهو مصنوع من مادة من الألمنيوم أو النحاس مع قطر أقصى يبلغ 2 م ، في حين بلغت سماكته 30 ملم وزاوية انفراجه 120 درجة ، أما المادة المتفجر فكانت بزنة 1720 كلغم . حسب ما صرح به الألمان فإن الشحنة المشكلة لهذا السلاح كانت قادرة على اختراق 7 أمتار من التدريع الفولاذي للسفن المعادية الحربية ، أو نحو 18.5 م من الخرسانة المقساة . وحتى نهاية الحرب ، كان هناك نحو 85 وحدة من السلاح Mistel تم بنائها . فقط بضعة منها طيرت في مهمات ، حيث استخدم بعضها في تحطيم جسور Oder في أوائل العام 1945 . على الرغم من هذا ، حوالي 50 وحدة تم الاستيلاء عليها من قبل الحلفاء مع نهاية الحرب ، كما استولت القوات الروسية على بعض النماذج .


السوفييت ابتكروا أول سلاح يدوي لهم يعمل بتقنية الشحنة المشكلة في العام 1943 ، عندما طوروا القنبلة اليدوية نوع RPG-43 كسلاح مؤثر مضاد للدروع ، وكبديل ناجح عن القنبلة اليدوية الأقدم من نوع RPG-40 التي اعتمدت في مفعولها على شحنة شديدة الانفجار . زودت القنبلة اليدوية RPG-43 بصمام تصادمي مع شحنة مشكلة بقطر 95 ملم مع 612 غرام من مادة TNT شديدة الانفجار ، وكان لها القدرة على اختراق نحو 75 ملم من الفولاذ ، لتحسن في مراحل لاحقة من الحرب بالسلاح RPG-6 . ويرجع الفضل في تطوير السوفييت لتقنيات الرؤوس الحربية المشكلة للبروفسور "سكورفسكي" M. Sukharevsky ، الذي أصدر أول أبحاثه ورسائله في هذا المجال العام 1925-1926 . وصف سكورفسكي تجاربه الشاملة بالتجاويف غير المبطنة في أنواع مختلفة من الأشكال والزوايا ، حيث لاحظ بأنه يمكن لتجويف مخروطي أن يولد تأثير اختراق صغير (لشحنة غير مبطنة unlined charge) ، كما دون في سجلاته العلمية أن الأهمية العملية الكبرى لقذائف الشحنة المشكلة تكمن في إمكانية تحويل وزن قذيفة مدفعية إلى النصف ، وزيادة التأثير المتفجر من قبل عامل 3 إلى 5 (بشكل مأساوي ، انتهت بحوثه العلمية في هذا المجال مع سقوطه كضحية في إحدى حملات التطهير الستالينيه Stalin's purges) . أطلق السوفييت على تأثير الشحنة المشكلة اسم الشحنة المتراكمة Cumulative Charge ، والكلمة لاتينية الأصل cumulatio وتعني التكدس أو التزايد .

30‏/7‏/2012

الحقيقية والأسطورة .. دبابة أسد بابل .

بين الحقيقيـــــة والأسطــــورة .. دبابــــة أســــد بابـــــل


أسد بابل Asad Babil كانت نسخة عراقية الصنع من دبابة المعركة الرئيسة السوفييتية T-72M1 ، جمعت في مصنع أسس في الثمانينات قرب مدينة "التاجي" Taji الصناعية ، شمال بغداد . لقد مثل هذا المشروع المحاولة الأكثر طموحاً لنظام الحكم في العراق آنذاك لتطوير وإنتاج دبابة وطنية ، كنتيجة حتمية للمقاطعة التي فرضت من قبل بعض الحكومات الغربية والشرقية لإجبار طرفي النزاع العراقي والإيراني على وقف الحرب المستعرة بينهما . طبقاً للمصادر الروسية ، فإن اتفاقية شكلية كانت قد وقعت بين الحكومة العراقية وشركة Bumar Labedy البولندية في العام 1982 شملت تفاصيل تجميع عدد 250 دبابة T-72M من الهياكل والأجزاء المستوردة ، لكي يتفادى المقاطعة . على أية حال ، العملية في الحقيقة تضمنت تجميع كامل للقطع والتجهيزات المستوردة ، بدلاً من خط إنتاج حقيقي production line . بحلول شهر سبتمبر من العام 1982 ، بدأ الإتحاد السوفيتي تزويد T-72 بمكونات أخرى سرية عن طريق بولندا ، لتطوير الدبابات العراقية . وفي أواخر الثمانينات بدأ الإنتاج في مصنع التاجي ، عندما كانت بضعة مئات من الدبابة T-72 في الخدمة الفعلية لدى الجيش العراقي ، حيث رقيت العديد من الدبابات في الأعوام بين 1989-1990 وطورت للنسخة القياسية T-72M1A ، وإن كانت الدلائل قليلة عن الأعداد التي أكملت في الحقيقة . مصنع الفولاذ في التاجي بني من قبل شركة ألمانية غربية في العام 1986 ، ووجه إنتاج الفولاذ للكثير من الصناعات العسكرية ، بما في ذلك تجديد أجزاء وإعادة بناء الدبابات التي هي في خدمة الجيشِ العراقي ، من أمثال T-54/55 وT-62 . التجميع المحلي الأول للدبابة T-72 تحقق في بداية العام 1989 ، بعد اتفاقية إجازة وترخيص license agreement مع مقاول بولندي لتوفير الأجزاء الرئيسة للمشروع (بعد الغزو والاحتلال العراقي للكويت في أغسطس 1990 ، فرضت الأمم المتحدة حظر تسلح على العراق ، الذي قيد نشاط التصنيع والإنتاج العسكري العراقي بشكله العام) . لقد وجه العراقيون الجهود الأولية نحو تصنيع سبطانة المدفع 125 ملم ، الذي اكتشف العراقيين أن حياته العملية لم تكن تتجاوز 120 قذيفة ، بعدها يسقط الأداء ويهبط لدرجة كبيرة. استخدم العراقيون الدبابات كثيراً كمدفعية نقالة أثناء حربهم مع إيران ، ومعها أصبحت مشكلة إهتراء السبطانة barrel wearing قضية تكتيكية هامة .


في أكثر السمات والمظاهر ، الدبابة أسد بابل مماثلة هيكلياً إلى الدبابة الأساس T-72M ، لكنها مجهزة بالمزيد من الدروع على المنحدر الأمامي كحماية إضافية ضد المقذوفات شديدة الانفجار المضادة للدبابات HEAT . بضعة أمثلة للدبابة عرضت مع محدد مدى ليزري لصالح السلاح الرئيس أملس الجوف عيار 125 ملم . دبابات أخرى جهزت بحماية جنازير أفضل ضد الرمال والطين من النسخة السوفيتية الأصلية ، بتخفيض العدد الأصلي للمخمدات/المثبطات dampers . البعض منها حمل أنبوب بسيط قابلة للفصل ، وضع من قبل العراقيين لكي يستفيدوا من العوادم exhausts لنفخ وتنفيض الرمال حول الدبابة .




أسد بابل عموماً يمكن أن تكون الدبابة الأكثر شيوعاً في خدمة قوات النخبة العراقية أثناء حرب الخليج 1991 ، لكن تم تجاوزها بالتأكيد من قبل الدبابات الغربية أمثال M1 Abrams وChallenger . على سبيل المثال , قذائف اليورانيوم المستنزف DU من العيار 120 ملم التي أطلقتها الدبابات أبرامز كانت قادرة على قتل دبابة أسد بابل من مسافة 3,000 م ، بينما المدى الفعال effective range لمقذوفات التنغستن المطلقة من المدفع 125 ملم كانت بالكاد تبلغ 1,800 م . الفرصة الوحيدة لأسد بابل تجاه الدبابات الأمريكية كانت في إغرائهم إلى معركة قريبة المدى ، أو عمل كمائن لهم من مواقع متخفية ، وتوجيه نيرانهم لمواضع أخرى غير القوس الأمامي للدبابة أبرامز . وحتى عند هذه المصادفات ، عرضت مهارات الرمي السيئة والضعيفة جداً للرماة العراقيين (جزئياً بسبب نقص منظومات الرؤية الليلية الحديثة) نتائج متواضعة في أغلب الأحيان .


بدأت الحرب الأرضية في 24 فبراير 1991 ، ودامت حتى 27 فبراير من نفس السنة ، عندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش George H. W. Bush وقف إطلاق نار أحادي الجانب ، بعد أن أخرجت وحدات الجيش العراقي الأخيرة بالقوة من الكويت . الدبابة أسد بابل شوهدت عملياتياً في الغالب مع فرقة الحرس الجمهوري المدرعة الملقبة "توكلنا على الله" Tawakalna في اليوم الثالث من العمليات ، حيث حطمت الفرقة بعد ذلك بالهجوم المتوافق لعدة قوات مهام مدرعة أمريكية .هذه الدبابة كانت متأخرة تقنياً لنحو خمسة عشر سنة أو أكثر ، لذا هي لم تكن قادرة على مواجهة آخر جيل دبابات معركة رئيسة أمريكية بدون تحمل خسائر جسيمة . على أية حال ، بعض المصادر الأخرى تعارض ذلك الإدعاء وتخالف القول أن لا دبابة M1A1 Abrams تضررت ولو جزئياً من نيران الدبابات العراقية T-72 . فطبقاً لمكتب نائب رئيس هيئة الأركان للعمليات والخطط التابع للجيش الأمريكي ، فإن عدد 23 دبابة أبرامز دمرت أو تضررت في منطقة الخليج العربي 1991 . من هذه تسعة دبابات دمرت بشدة ، سبعة كانت بسبب نيران صديقة ، واثنتان دمرتا عمداً لمنعهما من السقوط في الأسر بعد تعطلهما عن العمل disabled . دبابات أبرامز الأخرى أتلفت وتضررت بنيران العدو ، الألغام الأرضية ، النيران الداخلية ، أو لمنعها من الأسر بعد أن أصبحت متضررة . بيانات مركز الدروس المتعلمة التابع للجيش الأمريكي CALL أظهرت بضعة أطقم دبابات M1A1 أبلغت عن استلامها ضربات أمامية مباشرة من مقذوفات دبابات T-72 عراقية ، مع أضرار أقل ما يمكن .


ويظهر تقرير رسمي للأضرار خاص بالجيش الأمريكي ، بأن دبابة أبرامز غير معينة الهوية عانت في حرب الخليج 1991 من ثلاثة ارتطامات بمقذوفات تأكد أنها ليست من اليورانيوم المستنزف DU ، يعتقد أنها أطلقت من مسافة قريبة نسبياً كما ذكر تقرير "مركز الدروس المتعلمة من قبل الجيش" CALL . حيث أكد شهود عيان من ساحة الميدان أن دبابة T-72 كانت هي المسئولة عن الهجوم ، الذي لم يؤدي بشكله العام لأي اختراقات للهيكل . ضربت قذيفة واحدة القوس الأمامي وتحديداً المقدمة اليسرى لسطح البرج ، لتترك أثر بسيط وثانوي على منحدر البرج (مصدر آخر يتحدث عن التصاق وانحصار stuck الخارق في الدرع) . أنجزت القذيفتان الأخريان اختراقات جزئية partial penetrations على الجانب الأيمن الخلفي للبرج . هذه الحالة الوحيدة الموثقة رسمياً ، وبدون أدنى شك لهجوم دبابة عراقية على دبابة M1A1 . مع ذلك ، حتى مع عدم تحطيم أو تدمير الدبابة الأمريكية ، الهجوم والأضرار كانت كافية لحد إرسال الدبابة إلى مركز الصيانة . التقرير حول هاتان الضربتان في الموضع الخلفي للبرج يفترض بأن أكياس القماش على أرفف الدبابة البارزة قد تعرضت للاحتراق كما بدا من الفحص اللاحق . المنطقة الوحيدة التي كانت محل قلق واهتمام هي المنطقة اليسرى من سطح هيكل البرج . فهذا الموضع يحتوي في داخله على صفيحة التدريع DU ، وعلى الرغم من تشوه السطح المصقول للبرج إلا أنه لم يتبين أو يكشف عن أي تلوث إشعاعي radiological فوق المستويات الطبيعية ، إذ عادة ما تشير قراءات درع اليورانيوم المستنزف الطبيعية إلى ما بين 500 و750 dpm على السطح ، في حين أن قياسات السطح المصاب والمشوه أشارت لقراءة تقريباً 530 dpm (الاختصار يشير إلى Disintegrations per minute أو مقياس النشاط والتحلل الإشعائي في الدقيقة الواحدة ، بمعنى عدد الذرات في مقدار معطى من المادة المشعة التي تتفسخ خلال دقيقة واحدة) ، لذا قام فريق الكشف بالتوصية لعودة الدبابة إلى الخدمة بعد غسل وصبغ السطح المشوه .




إن من غرائب الأضرار ما ذكره تقرير سري أمريكي (لم يتسنى التأكد من صحة معلوماته) الذي تحدث عن مقذوف غامض استطاع ثقب هيكل دبابة M1A1 الجانبي ليخرج من الجانب الآخر . في البداية أعتقد أن الهجوم كان بفعل نيران صديقة ، لكن بعد التحليل والفحص أظهر موقع الإصابة عدم اشتماله على أية مواد مشعة ، كتلك التي تعرضها عادة مقذوفات APFSDSالتي تستخدمها الدبابات الأمريكية أبرامز أو البريطانية تشالنجر . كما تحدثت بعض المصادر عن تعرض دبابة أبرامز لمسك النيران في أحد أجزائها نتيجة اشتعال نيران قريبة في دبابة T-72 مصابة . هذا الضرر جرى تحمله أثناء الاشتباك الأخير لحرب الخليج ، بتاريخ 2 مارس 1991 قرب "حقول نفط الرميلة" Rumeilah oil fields في المنطقة الجنوبية الغربية للبصرة ، عندما هاجم اللواء الأول لفرقة المشاة الرابعة والعشرين الأمريكية على حين غرة طابور كبير منسحب من فرقة حامورابي التابع لقوات الحرس الجمهوري . القوة العراقية كانت مشتملة على دبابات أسد بابل وعربات مدرعة مختلفة أخرى ، التي خرقت على ما يبدو قرار وقف إطلاق النار . أغلب التشكيل العراقي تمت مهاجمته بقوات مشتركة من المروحيات الهجومية وطائرات الدعم الجوي القريب نوع A-10 وأسلحة الدبابات والعربات المدرعة المساندة .


عربات نقل الجنود القتالية الأمريكية من طراز M2 Bradley هي الأخرى تلقت خسائر وإصابات مباشرة من دبابات أسد بابل العراقية ، معظمها حدث في 26 فبراير 1991 . عائلة هذه العربة المدرعة نشرت في أغلب الأحيان ككشافة متقدمة advanced scouts للقوات المسلحة الرئيسة لتحري وفحص خطوط العدو ، حيث كانت أغلب خسائر العربة M2ناتجة عن هذا النوع من المهام . ففي التاريخ المذكور أعلاه ، تعرضت عربة برادلي (مجهولة رقم الهوية) ، تابعة لفصيل سلاح فرسان TF 3-5 لقذيفة طاقة حركية مباشرة ، أطلقت من دبابة T-72M1 وأصابت موضع عجلات الطريق . هذا العمل أدى لتسجيل حالة القتل الأولى المبلغ عنها رسمياً لدبابة أسد بابل تجاه هذا النوع من العربات . عربة برادلي أخرى حملت الرقم A-36 ضربت وعطلت جزئياً من قبل ما يعتقد أنه مقذوف بالستي من عيار 12.7 ملم أطلق من دبابة عراقية وأصاب منظومة ناقل الحركة transmission ، ليصدر قائد العربة أمراً فورياً للطاقم بالخروج منها . عندما خرجوا من الفتحات , ضربت قذيفة أخرى من نوع HEAT العربة ، حيث يعتقد أن القذيفة أطلقت من دبابة T-72 عراقية . أحد أفراد الطاقم ذكر أن القذيفة "انفجرت" exploded في جانب العربة ، لتجرح عدة من جنود الإخلاء ، لتأتي بعد ذلك بقليل عربة برادلي أخرى ، هي A-31 وتلقط طاقم A-36 . فصول المأساة لم تنتهي عند هذا الحد ، فبعد دقائق لاحقة ، قذيفتي APFSDS عيار 120 ملم مع خوارق من اليورانيوم المستنزف أطلقت من دبابة أبرامز ، ضربت العربة A-31 جهة يمين الهيكل أسفل البرج ، وغادرت الهيكل من الجهة اليسار خلف مقعد السائق . الإصابة تسببت في جرح جميع أفراد الجنود الثمانية المتواجدين على متنها ، حيث عانى بعضهم من حروق حادة وقاسية severe burns وآخرين بجروح تشظية .




تدريع الدبابة أسد بابل الرئيس كان تماماً مماثل للنسخة السوفيتية الأساس T-72A المخصصة للتصدير (T-72M) ، بدون أي تحسينات إضافية أو دروع مركبة composite armor حديثة (فقط تجاويف على جانبي مقدمة البرج ملئت بحصى الكوارتز kvartz) ، الذي جعل هذه الدبابة هدفاً سهلاً لأي دبابة معركة رئيسة حديثة . درع الدبابة الجانبي كان لديه حماية فقط 60 ملم ، في حين أن مقدمة البرج كانت تتحصل على سماكة نحو 300 ملم . المؤخرة المستوية كان لديها سماكة لنحو 45 ملم ، إلا أن هذه القياسات عززت ودعمت لاحقاً من قبل العراقيين . عنصر الحماية المدرعة في الدبابة أسد بابل جرى تقويته في موقع "التاجي" Taji ، تحديداً عند موضع الحافة الأمامية للهيكل ، التي جرى تدعيمها بصفيحة فولاذية بسماكة 30 ملم مع فاصل هوائي بنفس السماكة . هذا الإجراء الذي قام به المهندسون العراقيون جاء بعد دراسة لإمكانيات حماية دباباتهم من الاختراق بالذخيرة المختلفة للعيار 120 ملم الذي استخدمته الدبابات الإيرانية Chieftain ، حيث تحدثت تقارير عن اختبار العراقيين العام 1989 لقدرات المدفع محلزن الجوف L11A5 الذي تم اكتساب أعداد منه من خلال الدبابات الإيرانية المستولى عليها أثناء الحرب . إجراءات حماية مقصورة الطاقم جعلتها قادرة على مواجهة مقذوفات ثاقبة للدروع نابذة للكعب APDS عيار 120 ملم ، تطلق من مسافة 1000 م (يدعي العراقيين أن برج T-72M1 صمد في وقت سابق أمام مثل هذه المقذوفات) . أسباب التطوير العراقي تعود لتاريخ 17 أبريل العام 1988 والهجوم الكبير الذي أطلقته القيادة العراقية لتحرير شبه جزيرة الفاو Al Faw peninsula من الوجود والاحتلال الإيراني ، حيث أطلق العراقيين على العملية يومها اسم "رمضان مبارك" . حشد العراقيون صباح ذلك اليوم أكثر من 100-150 ألف جندي من قوات النخبة لديهم المسماة الحرس الجمهوري Republican Guard ، مقابل 15,000 إيراني من قوات المتطوعين وجنود الباسيج Basij أو قوات التعبئة الشعبية . الهجوم الذي حدث من جبهتين ، سبقه قصف مدفعي عراقي عنيف للمواقع الإيرانية بذخيرة قيل عنها يومها أنها من النوع الكيميائي chemical munitions . وفي الصباح الباكر بدأ هجوم الدبابات الكاسح ، المتزعم من قبل دبابات T-72 وT-72M ، حيث وجهت هذه نيرانها في سباق سريع مع الزمن . المنافس الوحيد الجدير بالاهتمام آنذاك للدبابة T-72 كان الدبابة Chieftain بريطانية الصنع والمسلحة بمدفع رئيس محلزن الجوف من عيار 120 ملم . اشتباكات الدبابتين في الحقيقةأدت إلى إصابات وخسائر كبيرة على كلا الجانبين . أما بالنسبة لنماذج الدبابات الإيرانية الأخرى من طراز M60A1 وM48 ، فهذه لم تشكل تهديد جدي لدبابات T-72 العراقية ، حيث قاومت الدروع الأمامية لهذه الأخيرة الضربات المباشرة بمقذوفات خارقة للدروع نابذة للكعب عيار 105 ملم ، من نوع M392 وM728.


على الرغم من السماكة القليلة النسبية لصفيحة الدرع على مقدمة الهيكل جهة الأعلى (حديث غير مؤكد عن صفيحة تدريع إضافية للبرج) ، إلا أنه يبدو أنها كانت فعالة لحد ما ضد بعض المقذوفات ، مثل الأمريكي TOW وقذائف نار المدفعية . هناك تقارير عن دبابات عراقية مطورة من الطراز T-72 نجت بأعجوبة near-misses من تأثيرات هذه الأسلحة ، على الرغم من أن هذه الدروع عموماً لم تمنع تحقيق قابلية قتل الحركة mobility kill . على أية حال ، هو يعتقد أيضاً أن نسبة بقاء غير متوقعة كانت بسبب استخدام منظومة الإجراء المضادة الكهروالبصرية المثبتة على أغلب دبابات أسد بابل بدلاً من الدرع الإضافي . هناك دليل واحد على الأقل حول دبابة أسد بابل استطاعت النجاة بعد تلقي ضربة مباشرة من مدفع لدبابة أبرامز الرئيس في معركة السيطرة على مدينة "المحمودية" العراقية Mahmoudiyah العام 2003 . حيث أطلقت قذيفة HEAT من عيار 120 ملم ، تسببت في إحداث تأثير شديد على مقدمة برج أسد بابل دون تسجيل حالة قتل مؤكدة . الدبابة دمرت في النهاية بقذيفة مخترقة للدروع أطلقت لاحقاً . ويعتقد بعض المتابعين أن الدبابة العراقية قد تكون مجهزة بدروع تفاعلية متفجرة ERA ، تم الحصول عليها من قطع الغيار المرفقة مع الدبابات البولندية T-72M1 . ويؤكد قائد أمريكي في الميدان أنه شاهد أثناء توقفهم الأخير عند العاصمة بغداد ، خمسة دبابات عراقية T-72 وهي مجهزة بما بدا أنه قراميد دروع تفاعلية متفجرة .هناك أيضاً على الأقل حالتين من الأمثلة حول توجيه نيران المدفع M242 عيار 25 ملم الخاص بالعربة ناقلة الجنود المقاتلة M2 Bradley نيرانه نحو أهداف عراقية مدرعة ، حيث تحدثت التقارير عن انزلاق (أو ارتداد ricocheting) القذائف الخارقة للدروع AP بشكل غير مؤذي عن برج دبابة عراقية من طراز T-72 أثناء عمليات عاصفة الصحراء .

29‏/7‏/2012

الألغــــام الأرضيــــة المضــــادة للدروع .

الألغــــام الأرضيــــة المضــــادة للدروع


الفقرة الثاني من معاهدة أوتاوا Ottawa Treaty الخاصة بتحريم استخدام الألغام المضادة للأفراد والموقعة بتاريخ 3 ديسمبر العام 1997 ، التزمت تعريف "اللغم" mine على أنه تلك ذخيرة المصممة والمعدة لكي توضع في الأسفل ، أو بالقرب من سطح الأرض أو على الأسطح الأخرى ، بحيث تنفجر بالضغط أو عند اقتراب أو احتكاك شخص أو عربة معها . بكلمة أخرى ، اللغم هو أداة مشتملة على مادة متفجرة ، وضعت داخل أو على الأرض لتحطيم الأفراد أو عربات العدو ، أو ربط تحت أو حتى عوم floating على سطح الماء لتدمير أو عرقَلة سفن العدو .اعتبرت الألغام كأسلحة مضاعفة للقوة ، فهي رخيصة الثمن بالمقارنة مع الأنواع الأخرى من الأسلحة ، وهي قادرة عند استخدامها على تغيير حسابات العدو أثناء الحركة والتقدم وإرباك خططه الهجومية من ناحية توقيت العمليات operation timing . هي قادرة على الدفاع عن المناطق الممتدة بسهولة وجهد نسبي أقل ، كما أنها تستطيع تحريم الأرض على قوات العدو وعرقلة disrupt تقدم قواته باستحداث العوائق والموانع التي يجب إما اختراقها أو تطويقها والدوران حولها . وعند إطلاقها من مسافات بعيدة نسبية بالوسائط القذفية المتعددة ، فإنها تستطيع إجبار تشكيلات العدو المدرعة للتحرك في الاتجاه المرغوب desired direction ، وتقسيم وفصل تشكيلاته ، أو حتى كشف وتعرية أجنحته . أما في حالة إيقاف أو إبطاء حركة العدو وإجباره على التركز في مناطق محددة ، فإن تلك ستكون فرصة لتغطية وشمول هذه المنطقة بنيران الأسلحة الأخرى القاتلة والنيران المباشرة direct fire . الألغام على أية حال ، سلاح ذو حدين عند نشرهم وبعثرتهم ، فهم يمكن أن يكونوا قاتلون إلى الجانب الذي وضعهم بينما هم كذلك أيضاً بالنسبة للعدو ، لذا من المتوقع أن يستمر تهديد هذا النوع من الأسلحة على المدى البعيد .




تستطيع أرتال الدبابات عبور حقول الألغام وذلك تحت قيادة دبابات مجهزة بمحاريث ألغام mine ploughs ، لكن في هذا الحالة سرعتها تكون مقيدة ومحصورة بسرعة الدبابة الجارفة للرمل (حوالي 4-8 كيلومتر في الساعة) ، وهكذا تكون هذه القوات المدرعة أهداف سهلة للنيران المضادة للدبابات . وفي الحروب التقليدية ، تنقسم حقول ألغام إلى تقسيمات وتشعيبات فرعية ، فهناك الألغام الحدودية ، الدفاعية ، الوقائية ، التكتيكية ، المزيفة ومصدر الإزعاج .. حقول الألغام الحدودية تكون طويلة الامتداد ، ومصممة لمنع تسلل القوات المعادية والناشطين الإرهابيين . حقول الألغام الدفاعية أيضاً طويلة الامتداد ، الهدف منها منع الهجمات الرئيسة بقوات العدو المدرعة .حقول الألغام التكتيكية ارتبطت بالعقبات والموانع الطبيعية natural obstacles ، وتهدف لحرف مسار العدو نحو مناطق القتل المطلوبة ، وهذه قادرة على تحريم الأرض على القوات المعادية لفترات محدودة . حقول الألغام الوقائية هي حقول ألغام صغيرة المساحة ، وضعت من قبل وحدات غير هندسية لتوفير حماية موضعية فقط . حقول الألغام المزيفة Phoney minefields كما هو واضح من اسمها ، هي حقول ألغام محدودة الأداء نوعاً ما ، بحيث توضع الألغام بعجالة على هيئة بضعة صفوف ، أو صف واحد على الأقل ، وذلك بسبب قلة الوقت أو المصادر لعمل حقل ألغام تكتيكي فاعل .




بعض حقول الألغام تعمد بشكل مقصود لإيقاع المشاة في المصائد والفخاخ لجعل عملية التطهير clearing أكثر خطورة ، حيث تدمج حقول الألغام المضادة للأفراد بأخرى مضادة للدبابات ، وتوضع الألغام الأولى أسفل الثانية ، ويتم ترتيب الصمامات بطريقة معينة لكي تعمل الألغام مجتمعة وفق الغرض منها . في أغلب الأحيان ، ألغام وحيدة مدعومة بأداة ثانوية مصممة لقَتل أو إعاقة الأفراد المكلفين بمهمة رفع وإبطال اللغم . يمكن دفن عدد من الألغام المضادة للدبابات في أكوام وفوق بعضها البعض ، حيث يمكن للغمين أو ثلاثة ألغام مجتمعة أن تضاعف القوة الثاقبة penetrating power . فمن الطبيعي أن يوجه اللغم المدفون في الأرض طاقة عصف الانفجار blast energy في اتجاه وحيد نحو قاع العربة المستهدفة أو على الجنزير . وبشكل عام يصنف الخبراء حقول الألغام ضمن خمسة أنواع رئيسة :


- ضد الإنزال Anti-landing : هذه مستعملة على طول الأشرطة الساحلية وضفاف الأنهار لمنع وتعطيل الهجمات البرمائية والمعابر النهرية .
- مضاد للأفراد Anti-personnel : مستعمل أمام حقول الألغام المضادة للدبابات والمواقع الدفاعية لمشاغلة أفراد سلاح الهندسة والمشاة المساندين .
- مضاد للدبابات Anti-tanks : مستعمل على طول الدروب والمسالك الرئيسة القريبة ، الأجنحة ، وعلى الحدود ، وأمام مواقع المواضع الدفاعية للحماية من اختراقات سلاح الدروع .
- مختلطة Mixed : هذه مستعملة عندما كلتا الألغام المضادة للأفراد والمضادة للدبابات تكون مطلوبة . مثال على ذلك ، تكوين حقل ألغام وقائي مستعجل أمام المواقع الدفاعية .
- خداعية Decoy : يستعمل هذا النوع من الحقول للتضليل أو التشويش على قوات العدو بالنسبة إلى موقع إنشاء حقل الألغام الفعلي .




وبصفة عامة ، هناك ثوابت نسبية يتطلبها العمل ، فعلى سبيل المثال حقول الألغام المضادة للأفراد تبدأ عادة أمام الحافة الأمامية forward edge لموضع زرع وطرح الألغام المضادة للدبابات ، وذلك بغرض حمايتها وتأمينها . هم يمكن أن يجعلوا من الألغام شديدة الانفجار ، أو المتجزئة والمتشظية ، أو من كلا النوعين ، مع الالتزام بالخصائص العامة التي تتضمن : تحديد مكان العمل على الحافة الأمامية للمواقع الدفاعية . أن يكون موضع نشر الألغام المضادة للأفراد على عمق 10-50 م ، مع عرض حقل يتفاوت حسب نوع وطبيعة التضاريس . وأن يكون هذا ضمن اثنان إلى أربعة صفوف ، مع فاصل بعدي بين الألغام لا يتجاوز متر واحد (بالنسبة لألغام العصف شديدة الانفجار blast mines) ، أو ضعفي نصف القطر التدميري بين ألغام التجزؤ والتشظية fragmentation mines . وأخيراً يفترض أن يشتمل الحقل المنشأ على نحو 2,000 إلى 3,000 لغم شديد الانفجار ، ونحو 100 إلى 300 لغم تشظية لكل جبهة كيلومتر واحد .


أما بالنسبة لحقل الألغام المضاد للدبابات فهذا يجب أن يبدأ أولياً في القطاعات المهددة threatened sectors من قبل الدروع المعادية ، أمام المواقع الدفاعية ، على الأجنحة ، على حدود الوحدة ، وأمام مواقع بطاريات المدفعية وكذلك مواقع القيادة . خصائص العمل تتضمن حقل ألغام بعمق 60-120 م ، مع عرض يتفاوت حسب نوع التضاريس المتاحة . الحقل يتضمن 3-4 صفوف ، مع مسافة بعدية بين الصفوف لنحو 20 إلى 40 م . أن يكون هناك مسافة لنحو 9 إلى 12 م بين ألغام مهاجمة البطن belly attack ، ونحو 4 إلى 5,5 م بين الألغام المخصصة لمهاجمة الجنازير anti-tracks . وأن يشتمل الحقل على نحو550-750 لغم مضاد للجنازير ، أو عدد 300 إلى 400 لغم هجوم بطن لكل جبهة كيلومتر للكثافة والتأثير الطبيعي ، أو أكثر من 1,000 لغم لكل جبهة كيلومتر للكثافة العالية والتأثير المتزايد increased effectiveness .




حقل الألغام المختلط هو النوع الأساس المستخدم لإنشاء العقبات والموانع الفاعلة في معركة الأسلحة المشتركة المعاصرة combined arms combat . هم فعالون جداً وسهلون للتركيب والنشر ، بحيث يصعب التغلب عليهم . مع ذلك فمن المفيد التوضيح هنا أن الألغام المضادة للدبابات وتلك المضادة للأفراد لا تخلط وتدمج عادة ضمن صف ألغام وحيد single mine row ، بل كما ذكر سابقاً هي مرتبة في صفوف كل نوع على حده .إن مؤشرات هذا النوع من حقول الألغام محكومة ومقررة بكثافة الألغام المضادة للدبابات التي ستنجز الأهداف الموضوعة من أجلها .


حقل الألغام الخداعي يعكسه مصطلح "ماسكيروفكا" Maskirovka ، الذي يشير إلى المكر والخداع العسكري في المذهب العسكري السوفييتي والروسي . الكلمة في حقيقتها مستعارة من الروسية maskirovka التي تعني بشكل حرفي التمويه والإخفاء ، لذا الأصل في إنشاء هذا النوع من حقول الألغام هو خداع العدو وصرف انتباهه عن المواقع الحقيقية لحقول الألغام الفعلية . هو قَد يتسبب في عرقلة وتعطيل disrupt حركة قوات العدو أو يجبر العدو على إنفاق أدواته لتطهير حقول الألغام بدون أي داع . تقنيات الخداع تتضمن حفر وتقليب تربة الأرض السطحية ، تركيب علامات حقل الألغام minefield markers ، والإشارات الأخرى التي تشير لعمل أفراد سلاح الهندسة .




إن فهم معمق وشامل لقادة المعركة ، يمكن أن يؤدي إلى توفير نظام عقبات وموانع obstacle system كفء ، يستخدم الألغام المضادة للدبابات (AT) أو المضادة للأفراد (AP) في بناءه . يبدأ سلاح الهندسة بتقييم المعلومات الاستخباراتية ودراسة أهداف العدو وقابلياته ، والعمل المحتمل . كما تبرز عناصر مهمة مثل الرصد والمراقبة ، الغطاء والإخفاء ، التضاريس الرئيسة ، العوائق ، والدروب أو طرق التقدم المقترحة . فالتحليل لا يستند فقط على خصائصِ وسمات الأرض ، لكن أيضاً على العدو ونية أو هدف القائد . ويتولى سلاح الهندسة تقديم النصح والمشورة بناء على تقديراته على موقع المعركة وتعيين منطقة الاشتباك engagement area المحددة ، بالإضافة إلى المعلومات الأولية الضرورية لتطوير خطة الموانع/الحواجز . إن خطة الموانع obstacles plan واستخدام الألغام ضمن هذه الخطة ، هو جزء مهم من عملية مواجهة قابلية حركة العدو الشاملة . وتتجه الرغبة الرئيسة في هذه العملية نحو مهاجمة قدرات العدو على تنفيذ خطته ، في حين تتجه الرغبة الثانوية نحو تحطيم أو تعطيل عرباته المدرعة ، ويمكن إنجاز وإنجاح هذا الأمر بشكل بارع ضمن نظام متكامل من الموانع التكتيكية tactical obstacles والنيران الموجهة . الموانع والعقبات التكتيكية تستخدم لتخفيض وتقليل قدرات العدو على المناورة maneuver ، التحشد mass ، تعزيز القوات reinforce ، وزيادة ضعفه ووهنه إلى النيران المقابلة .. في الختام يمكن القول أن حقول الألغام تشكل تحدي هام لجميع القوى المشاركة في العمليات ، بينما تكون عملية تقرير وتعيين حدود حقل ألغام من العقبات الأخرى أكثر صعوبة . ومهما كانت تقنية الاختراق المستخدمة عملياً ، سواء أكانت شحنات الحبال الرقيقة المتفجرة line charges ، المحاريث plows ، الدحاريج rollers ، أو تلك المنزوعة من قبل فرق الإزالة ، فإن الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على التحليل المركز السريع لنوعية حقل الألغام ، وأنواع الألغام المستخدمة في الحقل ، ونوع ومدى نيران التغطية الفعالة . وبغض النظر عن تقنية الاختراق المستخدمة ، فإنها يجب أن تتم دائماً من خلال التنسيق مع عمليات الأسلحة المشتركة Combined Arms Operations .


28‏/7‏/2012

دبابة رسمت مستقبلهـــا .. T-72M1 URAL


نظرة ثاقبة لأعمال تطوير الدبابات السوفييتية منذ منتصف وأواخر الخمسينات يجب أن توجه ملياً نحو مكتب التصميم الوحيد آنذاك لدبابات المعركة السوفييتية الرئيسة ، وهو مكتب تصميم أليكساندر موروزوف Aleksandr Morozov أو الاختصار KMDB (موروزوف مهندس ومصمم دبابات سوفييتي ، خريج معهد موسكو الميكانيكي ، ولد في 29 أكتوبر العام 1904 وتوفي في 14 يونيو العام 1979) ، الذي عمل على تطوير دبابات من جيل جديد في مصنع الدبابات في منطقة كاركوف Kharkov (الآن يطلق عليها كاركيف Kharkiv في أوكرانيا) . اسم هذا المكتب كان قَد ارتبط سابقاً بتصميم الدبابة الأسطورية T-34 في الحرب العالمية الثانية ، وقبل اجتياح كاركوف من قبل القوات الألمانية الغازية في العام 1941 ، المصنع ومكتب التصميم المرتبط تم نقلهما شرقاً إلى مدينة " نيزني تاغيل" Nizhni Tagil في منطقة "الأورال" Urals . هناك المكتب أعطى مسؤولية تطوير دبابات الجيل القادم السوفيتية ، قصير الأجل T-44 والأكثر نجاحاً T-54 .

عاد مكتب موروزوف إلى كاركوف في أوكرانيا بتاريخ 13 نوفمبر العام 1951 ، هذا الانتقال كان جزء من محاولة توسيع قاعدة التطوير الهندسي لصناعة الأسلحة السوفيتية ، وبدأ موروزوف العمل بعد ذلك على دبابة أخرى من جيل جديد ، حملت التعيين Obiekt 430 ، وبالفعل تم إنتاج ثلاثة نماذج من الدبابة لتجري عليها الاختبارات في أرض كوبينكا العام 1958 . فريق صغير من المهندسين مكث في مصنع "أورال فاغن" Uralvagon (مؤسسة صناعات ثقيلة روسية تقع في نيزني تاغيل ، تعد من أكبر الشركات العلمية والصناعية في روسيا وأكبر مركز لتصنيع الدبابات في العالم) في منطقة الأورال وذلك لإدارة التطوير الآخر لدبابة T-54 ، الذي بدأ مع الدبابة T-55 . هذه البذرة والثمرة الأخيرة في الخمسينات نمت وأفرزت بالنتيجة عن مكتب تصميم دبابات جديد في نيزني تاغيل برئاسة المهندس الشاب "ليونيد كارتسيف" Leonid Kartsev ، الذي بدأ بمنافسة مكتب كاركوف الأصلي . هذا سمح لوزارة الدفاع السوفيتية لتوفير فرص منافسة أفضل competition بين مكاتب التصميم بدلاً من حالة الاحتكار التي وجدت أثناء وفوراً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية .

حلم موروزوف كان أن يكرر نجاح الدبابة T-34 مع أخرى جديدة بتصميم ثوري ، التي يمكن أن تجاري وتضارع دبابات منظمة حلف شمال الأطلسي في القوة النارية ، الحماية المدرعة ، وقابلية الحركة ، بينما تبقى بشكل ملحوظ أكثر خفة وأكثر اقتصادية more economical . فعمل على تصميم الدبابة السوفيتيِة الأكثر تقدماً في الستينات ، وحملت التعيين Obiekt 430 أو مشروع الدبابة T-64 . هذه الدبابة دمجت مجموعة كبيرة من الميزات والخصائص المبتكرة ، بما في ذلك الدرع الخزفي ومنظومة التلقيم الآلي autoloader لصالح السلاح الرئيس ونظام التعليق الخاص خفيف الوزن (منح على أثرها موروزوف جائزة لينين Lenin Award ، التي تمثل الوسام الأعلى الممنوح من قبل الإتحاد السوفيتي للمبدعين) . على أية حال ، التصميم أصيب بمشاكل مبكرة مقلقة ، خصوصاً مع الثقة السيئة لمحرك الديزل المكبسي وإخفاقات في الملقم الآلي .

وبينما كان موروزوف يحاول معالجة المشاكل مع دبابته T-64 ، فإن مكتب تصميم كارتسيفأجرى بعض التحويرات على دبابة T-55 لإسكان مدفع رئيس أملس الجوف من عيار 115 ملم مثل ذلك المثبت على الدبابة T-64 (مكتب التصميم كان يعمل على تجارب لأسلحة دبابة ملساء الجوف smooth-bore guns منذ العام 1953 ، حيث أثبتت هذه الأسلحة الجديدة تفوقها في الأداء على سبطانات المدافع المحلزنة) وكانت النتيجة دبابة T-62 أو Obiekt 166 التي بدأ إنتاجها في العام 1961 . ومع أن هذه الدبابة لم تكن تقدم مستويات حماية مدرعة أو تطور كما هو متاح للدبابة T-64 ، فإنها في المقابل كانت أكثر اقتصادية economical إلى التصنيع والإنتاج ، كما أنها كانت أفضل من ناحية الموثوقية والاعتمادية . وهكذا ، ونتيجة للإخفاقات المستمرة للدبابة T-64 ، فقد أصبحت الدبابة T-62 الأسهل والأقل كلفة والأكثر تصنيعاً في الاتحاد السوفييتي خلال الستينات .


واصل موروزوف العمل على حل المشاكل مع T-64 ، وتركز الاهتمام على تجاوز نواقص المحرك بالإضافة إلى تحسين أداء الدبابة القتالي بدمج مدفع أكثر قوة من عيار 125 ملم . وكان لهروب ضابط جيش إيراني إلى الإتحاد السوفيتي في أوائل الستينات بدبابته الأمريكية الجديدة من طراز M60A1 أن أتاح فرصة مثيرة لفحص دروع هذه الدبابة الحديثة ، بالإضافة إلى مدفعها الرئيس من عيار 105 ملم ، بحيث اقتنع قادة الجيش السوفيتي أن اختيارهم للمدفع D-68 من عيار 115 ملم على الدبابات T-64 كان خطأ كبير . وبالنتيجة ، أعيد تسليح الدبابة T-64 بالمدفع D-81T عيار 125 ملم ، ودخلت هذه الإنتاج في العام 1969 تحت مسمى T-64A . على أية حال ، ورغم بضعة التحسينات التي أدخلت على T-64 ، فإن متوسط الوقت بين حالات فشل المحرك ما زالت بحدود 300 ساعة ، بالإضافة لتزايد كلفة إنتاج الدبابة ، أكثر ببضعة مرات من الدبابة T-62 . في هذه الأثناء ، واصل مكتب كارتسيف في مصنع أورال فاغن خطط تطوير T-62 ، وتحرى فريق التصميم استخدام نوع جديد من أنظمة التعليق بعجلات طريق أصغر حجما من الألمنيوم وبكرات إرجاع return rollers ومحرك ديزل أحدث طور من قبل LA Vaisburd بقوة 700 حصان ، وبدأ العمل أيضاً على منظومة تلقيم آلي إما للمدفع من عيار 115 ملم أو 125 ملم . هذه الميزات سوية مع إبداعات التصميم الأخرى دمجت وألحقت إلى مشاريع الدبابة Obiekt 166 وObiekt 167 .

في شهر أغسطس من العام 1967 ، أبلغ مصنع أورال فاغن بوجوب الانتقال والتحول من صناعة الدبابة T-62 إلى الدبابة T-64A مع العام 1970 . مغايران تم تصورهما ، الأول هو النسخة الأساس T-64A بمحركها الديزل 5TDF ذو المشاكل المقلقة لمستخدميه ، والمغاير الآخر هو نسخة "التعبئة" mobilization بمحرك ديزل تقليدي هو ذاته المستخدم على الدبابة T-62 ، وقصد من ذلك توفير بديل رخيص في حالة الحرب . مكتب تصميم كارتسيف كان يأمل بتطوير منافس للدبابة المثيرة T-64A لكن طلبه قوبل بالرفض بحزم من قبل موسكو ، وواصل الرئيس السياسي لصناعات الدفاع السوفييتية آنذاك "دمتري أستينوف" Dmitriy Ustinov دعم المشروع الرائع المقبل T-64A كطريق لمستقبل القوات المدرعة السوفييتية (بعد وفاة ستالين في مارس 1953 ، وزارة الأسلحة دمجت مع وزارة صناعات الطائرات ، ليصبح في النهاية اسمها وزارة صناعات الدفاع ، حيث عين أستينوف كأول رئيس لهذه الوزارة الجديدة) .

وعلى الرغم من تفضيل أستينوف المستمر لخيار مكتب كاركوف ، إلا أن وزير صناعات الدفاع آنذاك S. A. Zverev كان معجب بظاهرة وقابليات الملقم الآليالخاص بمصممي أورال فاغن، فأمر مكتب كارتسيف في 5 يناير العام 1968 الاستمرار في العمل على نموذج دبابة التعبئة T-64A مع نسخته الخاصة من الملقم الآلي ومحرك الديزل المحسن V-45 مع تخفيض الكلف لنحو النصف . هذه النسخة عينت Obiekt 172 وحملت الاسم الرمزي "أورال" Ural ، وشملت هيكل وبرج T-64A معاد تشكيلة وتصميمه لاستقبال الملقم الآلي الجديد ومحرك دافع أرخص كلفة . نموذجان Obiekt 172 أكمل تصنيعهما في نهاية صيف العام 1968 ، مستخدمين عدد كبير من مكونات خط إنتاج الدبابة T-64 ، بضمن ذلك نظام التعليق ، لحد تشبيه الدبابة آنذاك بشكلها الظاهري مع T-64A . وبدأت اختبارات الجيش على الدبابة المعدلة Obiekt 172 أولاً في نهايِة العام 1968 في موقع كوبينكا Kubinka . التصميم عرض لتجارب ميدانية في الأحوال الجوية الحارة ، بشكل أكبر تلك التي أجريت في آسيا الوسطى في صيف 1969 . الاختبارات قبل النهائية للإنتاج أجريت في منطقة "ترانزبيكال" Transbaikal شمال الصين العام 1971 . هذه التجارب كشفت أيضاً عن عدد من عيوب التصميم design flaws ، لكن نتائج الاختبارات كانت واعدة بما فيه الكفاية لمصممي أورال فاغن للتصديق على بناء عدد 20 نموذج (مع ذلك ، الترس الدوار running gear الحساس والملحق بنظام نقل الحركة في الدبابة T-64A بقى مصدر المشاكل الميكانيكية) ومنح فريق التصميم جائزة سوفييتية رسمية رفيعة المستوى في العام 1974 لنوعية الجهد المبذول .

التنافس بين الفئات السوفييتية المختلفة في شؤون الصناعة ، واستمرار دعم وإسناد الجيش لمكتب كاركوف ونيزني تاغيل أستمر بلا توقف في أواخر الستينات . تفضيل كبار قادة الجيش لتصور أورال فاغن الأسهل والأكثر موثوقية عادل في تأثيره نفوذ الرئيس السياسي لصناعات الدفاع أستينوف وبيروقراطية الكرملين . وفي وسط ذلك الخلاف والجدل ، تم تحويل مكتب كارتسيف من أورال فاغن إلى معهد بحث دبابات الجيش ، وتم الاستحواذ على موقعه من قبل "فاليريا فيندكتوف" Valeri Venediktov . في 12 مايو 1970 , صدر مرسوم حكومي بتوحيد مواصفات الدبابة T-64A ، هذا الأمر منح مصممي أورال فاغن الفرصة لتطوير تفاصيل إضافية ولاحقة للمشروع Obiekt 172 التي حملته لمستوى أبعد من التكوين T-64A ، وذلك بالسماح بدمج وتضمين نظام التعليق الجديد الخاص بالمشروع Obiekt 167 . هذه النسخة عينت تحت اسم Obiekt 172M ، والنموذج كان جاهز بنهاية العام 1970 (رئيس المهندسين ليونيد كارتسيف هو في الحقيقة من ابتدع المشروع Object 172 كتصميم الأولي ، لكن النموذج المعين Object 172M ، هذب وأنجز من قبل فاليريا فيندكتوف) .

بفضول بما فيه الكفاية , معركة مماثلة نشبت في لينينغراد Leningrad نتيجة الخطط لتحويل المصنع هناك إلى إنتاج الدبابة T-64A . الاقتراح والحل البديل هنا كان في التفوق على تصميم كاركوف وتبنى محرك توربيني غازي gas-turbine أكثر قوة . في النتيجة ، وبحلول العام 1971 صناعة الدبابات السوفيتية كان لديها ثلاثة نماذج دبابات قياسية جديدة ، الأصلية T-64A ، والنموذجين المشتقين الجاهزين للاختبارات ، Obiekt 172M (T-72) وObiekt 219 (T-80) . وفي صيف 1972 ، دفعة إنتاج ابتدائية من 15 دبابة للنموذج Obiekt 172M تم استكمالها في نيزني تاغل ، وأخضعت هذه إلى اختبارات ميدانية قاسية استمرت حتى شهر أكتوبر من ذات العام . عموماً ، الجيش كان معجب جداً بمتانة وقوة نيران هذه الدبابة . من جانبه ، الرئيس السياسي لصناعات الدفاع استينوف واصل معارضة إنتاج دبابة أورال فاغن ، إلا أن قادة الجيش واصلوا الضغط لصناعتها نتيجة التردد وعدم الثقة بقدرات T-64A وكذلك عدم نضوج مشروع الدبابة الجديدة Obiekt 219 (T-80) . لحل المسألة وتجاوزها ، طلب الكرملين تكوين لجنة خاصة تحت إشراف النائب الأول لوزير الدفاع ، المشير Ivan Yakubovsky (حاصل على لقب بطل الإتحاد السوفييتي مرتين ، وعمل كقائد عام لقوات حلف وارسو حتى العام 1976) ، وعند هذه المرحلة ، دفعة إنتاج أخرى للدبابة Obiekt 172M أكمل تصنيعها ، ومعها تم تجاوز أغلب المشاكل التي ظهرت في اختبارات العام 1972 ، حيث أجريت التعديلات اللازمة ، وصدر التفويض ببدء الإنتاج . في تاريخ 7 أغسطس من العام 1973 تم قبول النسخة Obiekt 172M في الخدمة لدى القوات المسلحة السوفييتية كدبابة قياسية تحت اسم T-72 . في العام 1975 أطلق على الدبابة تسمية T-72 Ural بعد تصنيعها في منطقة جبال الأورال (اسم أورال Ural الرمزي اختير عن عمد لتذكير الجيش بأن الدبابة قَد طورت من قبل مجموعة نيزني تاغيل الواقعة في منطقة جبل أورال الروسية ، وليس في مكتب كاركوف في أوكرانيا) . سلسلة الإنتاج الأولية من 30 دبابة أكملت بنهاية العام 1973 ، مع عدد 220 أخرى تم أكمال إنتاجها في العام 1974 .

في شهر أبريل من العام 1976 ، توفي وزير الدفاع السوفييتي "أندري غريشكو" Andrei Grechko ، وحل محله الرئيس السياسي السابق لصناعات الدفاع دمتري أستينوف ، الذي لم يعرف عنه استحسانه أو تحمسه لمشروع الدبابة T-72 ، وأشار إليها بقوله "هي خطوة للوراء في تاريخ تطوير الدبابات السوفيتية" . فمنذ مجادلات ومناظرات الإنتاج 1970-1972 ، تحول دعم أستينوف من الدبابة المضطربة T-64 إلى البطل الجديد العامل بالتوربين الغازي T-80 . هذه الدبابة التي طورت من قبل ائتلاف لينينغراد المرتبط سياسياً وبقوة بصانعي القرار في الكرملين Kremlin . بالنتيجة ، أستينوف أغفل برنامج تحسين الدبابة T-72 ، وعمل بدلاً من ذلك على تأكيد دور النماذج T-64 و T-80 كدبابات سوفيتية قياسية ، حيث تقرر نشرها مع الوحدات الأمامية المواجهة لقوات منظمة حلف شمال الأطلسي في ألمانيا . وتقرر أن تتسلم هذه الدبابات أولويات الإبداع والتقدم التكنولوجي في منظومات السيطرة على النيران والحماية المتقدمة ، بينما دبابات T-72 ستستخدم لوحدات الخط الثاني second-line units في الإتحاد السوفيتي بالإضافة إلى التصدير .

مرت الدبابة T-72 بالتطويرات المستمرة أثناء مراحل إنتاجها ، فسلسلة الإنتاج الثانية Obiekt 172M sb-1A دمجت عدة تغييرات بسيطة ، بحيث يمكن تمييزها عن سلسلة دبابات الإنتاج المبكر بتغيير ضوء الكشاف تحت الأحمر من طراز L2AG Luna ونقله من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن من السلاح الرئيس . كذلك هوائي الراديو radio antenna تم نقله من أمام محطة القائد للجهة الخلفية . ووضع المزيد من علب التخزين الخارجية حول البرج . هذه النسخة دعيت أحياناً T-72 Ural-1 نموذج 1976 ، وكانت في سلسلة إنتاج نيزني تاغيل منذ العام 1974 .

النسخ الأصلية للدبابة T-72 التي ظهرت خلال العام 1977 ، استخدمت درع مكسو ومؤلف من ألواح فولاذية متعددة في المقدمة المائلة للهيكل glacis plate ، كما كان لديها برج فولاذي تقليدي كامل الصب . صفيحة الهيكل الأمامية المائلة شملت طبقة أولية بسماكة 80 ملم من الفولاذ عالي الكربون ، تتبعها طبقة بسماكة 105 ملم من GRP (اللدائن المسلحة بألياف زجاجية أو stekloplastika) تحمل ربع كثافة الفولاذ . وأخيراً طبقة بسماكة 20 ملم من الفولاذ عالي الكربون . الدبابات المعاصرة T-64 ومغايرها T-64A ، استخدمت أيضاً درع مؤلف من ألواح فولاذية متعددة في مقدمة الهيكل المائلة glacis plate ، لكن بدلاً من البرج الفولاذي التقليدي ، هي جهزت ببرج مع تدريع خاص ، الذي كان لديه تجويف كبير في الجبهة على جانبي السلاح الرئيس ، ملأ بالألمنيوم aluminum . البرج الفولاذي للدبابة T-72 كان يتحصل على قابلية مقاومة أفضل لنحو 2% تجاه هجمات المقذوفات APFSDS ، بينما برج T-64A كان يمتلك نحو 10% من هذه القدرة تجاه هجمات الشحنات المشكلة shaped-charge . على أية حال ، اختبارات إطلاق النار كشفت بأن فائدة حماية T-64A الظاهرة أقل من تلك الحقيقية ، لأن بعد ضرب التجويف بقذيفة مفردة فإنه يميل إلى التشوه وفقدان فائدته الوقائية . الجيل القادم من الدروع الخاصة استخدم المجموعة كي Combination K أو طبقة خزفية مقحمة في تجاويف البرج . هذا الترتيب الإبداعي طور من قبل معهد البحث العلمي للفولاذ NII Stali ، واستخدم كرات خزفية في مصفوفة ألمنيوم . وعلى الرغم من أن هذا الإبداع قصد منه تعزيز حماية الدبابة T-64A في نسخ العام 1975 ، إلا أنه كان صعب الإنتاج واستبدل لاحقاً بنسخة معدلة تستخدم مادة خزفية متطرفة (ultrafarforov) على هيئة قضبان خزفية بدلاً من الكرات ، تسمى أحياناً دروع "قضبان الرمل" sandbars .

البرج الجديد مع الدروع الخاصة بحشوة القضبان الخزفية كان قد استخدم أولاً على نسخة مؤقتة لسلسلة الدبابات T-72 نموذج 1978 (Obiekt 172M sb-4) التي دخلت مرحلة الإنتاج الفعلي في العام 1977 . إضافة إلى درع البرج الجديد ، هذه النسخة أتاحت أيضاً الانتقال من محدد المدى البصري من طراز TPD-2 إلى محدد المدى الليزري TPD-K1 .مع ذلك ، هذه النسخة كانت قصيرة الأجل نسبياً ، واستبعدت من قبل النسخة المحسنة T-72A نموذج 1979 (Obiekt 172M sb-6 ، ولاحقاً Obiekt 176) التي مثلت إعادة التصميم الرئيس والجوهري الأول لعائلة الدبابات T-72 . هذا النموذج استخدم معظم ما ذكر في النسخة السابقة ، بالإضافة إلى حواف جانبية جديدة مصنوعة من نسيج بلاستيكي مدعم معدنياً لحماية مجموعة الجنازير وأنظمة التعليق من خطر الشحنات المشكلة shaped-charge . هناك أيضاً نظام تعليق محسن للتنقل يدعم عجلات الطريق . مدفع مطور من عيار 125 ملم طراز 2A46 ومنظار TPD-K1 ، ومفرغات دخان من نوع 902 Tucha A. على نسخ الأصلية للدبابات T-72 ، أرباع الدائرة الأمامية لجوانب البرج تمت إمالتها بزاوية نحو 55-60 درجة ، بينما على T-72A ، دروع البرج الأمامي كانت عمودية تقريباً على أغلب النقاط . ثخانة وسماكة ظهور دروع البرج الأمامية للدبابة T-72A أدى إلى إطلاق كنية أمريكية غير رسمية على هذا المغاير ، هي "Dolly Parton" وذلك على اسم المغنية الأمريكية دولي ريبيكا بارتون ، المشهورة بملكة الموسيقى الريفية . لبعض الوقت ، هذه النسخة دعيت بشكل خاطئ T-74 مستندين في ذلك تعيين التطوير المدعو Obiekt 174 . قبلت هذه النسخة للخدمة في شهر يونيو 1979 . سلسلة الإنتاج القادمة كانت T-72A نموذج 1983 ، وهذه قدمت طبقة كاسية ضد الإشعاع anti-radiation clading على سقف البرج وعدة تغييرات أخرى ، بضمن ذلك صفيحة بسماكة 16 ملم على مقدمة الهيكل المائلة . هذه النسخة كانت في الإنتاج المبكر خلال العام 1985 .

الجيل الثالث لدبابات T-72 قدم شكل برج محسن جوهرياً عما سبق ، من خلال صفائح دروع متعددة بالإضافة إلى تحسينات في التصفيح الفولاذي المتعدد لمقدمة الهيكل المائلة glacis plate . رفعت إضافات الدروع الجديدة من وزن العربة لنحو ثلاثة أطنان ، مما تطلب معه توفير محرك ديزل أكثر قوة من نوع V-84 . هذه التحسينات دفعت بقوة نتيجة الدروس العديدة المستقاة والمستفادة من حرب لبنان 1982 ، عندما زودت سوريا الإتحاد السوفيتي ببعض الدبابات الإسرائيلية المأسورة وذخيرتها ، على وجه التحديد دبابتي M48A5 مع ذخيرتها الحركية الجديدة المثبتة بزعانف APFSDS من نوع M111 ، أرسلوا جميعاً إلى أرض الاختبارات في منطقة "كوبينكا" Kubinka قرب موسكو لإجراء التجارب .المهندسون السوفيت صدموا لاكتشافهم أن قذائف M111 كانت قادرة على اختراق دروع الحافة الأمامية متعددة الطبقات لهيكل الدبابة T-72 ، هذا الأمر قاد إلى سلسلة من التحسينات إلى دروع الدبابات T-64 ، T-72 وT-80. دخلت هذه النسخة الجديدة مرحلة الإنتاج في العام 1985 تحت مسمى T-72B وT-72B1 ، وأضافت عند دخولها العديد من التعديلات البسيطة الأخرى لعائلة T-72 ، مثل إحلال عجلات طريق جديدة مع عدد ستة انبعاجات أو فجوات indentations داخلية لكل إطار ، بدل ثمانية كما هو معتاد في نسخ الدبابة السابقة . دفعات الإنتاج الأولية كان لديها نظام مفرغات دخان من نوع 902 Tucha A ، مصعدة على مقدمة البرج كما هو الحال مع الدبابة T-72A ، لكنها لاحقاً تحركت إلى جانبي البرج .

27‏/7‏/2012

فرق قتل الدبابات في المدن


لا يمكن بحال من الأحوال إنكار وإهمال قيمة المشاة الخفيف وأفراد القوات المنظمة أثناء تفاصيل المعركة الحضرية urban combat ، فبسبب الطبيعة اللامركزية للمعركة الحضرية والحاجة للأعداد المتزايد من القوات لإجراء العمليات في التضاريس الكثيفة المضغوطة ، فإن جنود المشاة يمثلون دائماً معظم القوات المشاركة (تفتقر قوات المشاة الخفيفة عادة إلى القوة النارية الثقيلة المساندة ، الحماية ، وقابلية الحركة بعيدة المدى) . في المقابل ، تعتبر دبابات المعركة الرئيسة أدوات ثمينة للمساعدة وتوفير الدعم الناري المباشر والثقيل للقوات المهاجمة ، خصوصاً أثناء عزل منطقة الهدف والاستيلاء على موطئ قدم foothold . ومع تقدم المشاة وتحركهم لتطهير المواقع المشبوهة لأسلحة العدو المضادة للدروع وتوسيع موطئ القدم ، فإن وحدات الدبابات تتولى توفير وتقديم الدعم الأولي لهذه المواقع بنيرانها المركزة . وعند توفر الفرصة المناسبة ، تعمل الدبابات على الانتقال إلى المواقع اللاحقة مع استخدام نيرانهم لمنع تعزيزات العدو ومشاغلة قواته المتراجعة والمنسحبة withdrawing من مواقعها . ومع تزايد النيران والنيران المضادة ، فإنه يتطلب من طاقم الدبابة في هذه الظروف ، المحافظة على يقظتهم الدائمة وإدراك حجم المخاطرة .. ويتم اختيار مواقع الدبابات بحيث توفر هذه أفضل غطاء إخفاء ، ملاحظة ومراقبة ، حقل ومجال نيران ، مع الاحتفاظ بقدرتها على الحركة والتقهقر عند اللزوم .


وعند تحديد حقول النيران المطلوبة في الطرق والممرات ، فإن وضع الهيكل المخفي hull-down position يجب أن يختار لإكساب الغطاء وإطلاق مدافع الدبابات نيرانها المباشرة خلال الطرق .فمن تلك المواقع ، الدبابات تكون في الغالب محمية ، ويمكن أن تتحرك لمواقع بديلة بسرعة كافية .موقع الإخفاء يغطي ويحجب العربة حتى وقت التحرك إلى موقع الاشتباك مع الهدف . وفي الوقت الذي قد لا يتمكن فيه الطاقم من رؤية قوات العدو المتقدمة ، فإن مراقب من إحدى العربات المرافقة أو من وحدة المشاة القريبة ، يجب أن يتخفى في مبنى مجاور لإنذار الطاقم .المراقب يكتسب الهدف ويشير إلى قائد الدبابة للانتقال إلى موقع إطلاق النار firing position والمباشرة بالرمي . بعد الإطلاق ، تنتقل الدبابة إلى موقع بديل لتجنب وتفادي تعريض موقعها لخطر النيران المضادة .

مع ما سبق ، ارتبط عمل الدبابات والعربات المدرعة الأخرى دائماً ببعض التحديات ونواحي القصور خلال تقدمها في المناطق الحضرية ، حيث تواجه العربات المدرعة احتمالات الإصابة والأضرار القاسية عندما اشتغالها في هذه التضاريس ، خصوصاً عند تواجدها بشكل مفرد ومعزول . فأفراد أطقم هذه العربات على سبيل المثال لديهم مجال رؤية وإحاطة سيئة ومحدودة خلال أدواتهم البصرية ، ويمكن إعماءهم بسهولة بأحجبة الدخان أو الغبار . كما أن الدبابات لا تستطيع رفع أو تخفيض أسلحتها الرئيسة بما فيه الكفاية لمشاغلة الأهداف القريبة جداً من العربة أو تلك الكامنة في المستوى العالي في المباني المرتفعة . وبسبب طول سبطانات مدافعهم الرئيسة ، فإن أبراج الدبابات سوف لن تستطيع الاستدارة إذا صادفت أثناء حركتها جسم صلب ، كما هو الحال مع حائط جداري أو عمود إنارة .. وهكذا . وقد يتسبب إطلاق النار الشديد لمدافع الدبابات في إحداث أضرار إضافية غير مرغوب فيها ، أو يمكن أن يتسبب في زعزعة أساسات التراكيب والإنشاءات المحيطة . وإذا كانوا معزولين أو غير مدعومين من قبل وحدات المشاة ، فإن الدبابات تكون عرضة لصيادي العدو وفرقه القاتلة التي تتقن استخدام أسلحتها المضادة للدروع الخفيفة منها والمتوسطة . وبسبب وفرة الغطاء والإخفاء في التضاريسِ الحضرية ، فإن رماة الدبابات والعربات المدرعة الأخرى ربما لا يستطيعون تمييز وتعريف identify أهداف العدو بسهولة ، ما لم يكشف القائد عن رأسه من كوته السقفية للتحقق وبالتالي تعريض نفسه لخطر إطلاق النار المعادي أو شظايا القذائف المتفجرة . وتواجه جميع العربات المدرعة ومهما كان وصفها حقيقة كونها تثير الكثير من الصخب والضجيج noisy والأتربة عند حركتها . لذا ، فإن لديهم فرصة قليلة للوصول للمنطقة المنشودة دون كشف وفضح أمر تقدمهم . أضف لذلك ، الحواجز والتحصينات المرتجلة Improvised barricades ، وضيق الشوارع والممرات ، أو المقادير الكبيرة من الأنقاض والحطام يمكن أن تمنع حركة الدبابات .


وتبرز نواحي قصور أخرى ترتبط بالقوة النارية ، تؤثر على توظيف الدبابات في المناطق المبنية . فبالنسبة للقوة النارية نجد أن عيار المدافع المتوافر في الغالب هو 105 و120 ملم للمنظومات الغربية . هذه الأسلحة تجهز على الأرجح في معظمها بذخيرة من النوع الحركي الخارق للدروع (سواء من نوع APFSDS أو APDS) ، التي لا يشكك بفاعليتها تجاه العربات المدرعة ، لكن الأمر يختلف قليلاً عند استخدامها تجاه التراكيب الإنشائية والهيكلية . فمدافع الدبابات تعرض أفضل تأثيراتها عندما توجه لأهدافها المقساة في المناطق الحضرية بشكل عمودي perpendicular (أو مع صفر درجة ميلان) . لكن أثناء المعارك في المناطق المبنية وبسبب طبيعة الأهداف المتوافرة في هذه المناطق ، فإن مسار المقذوفات لأسلحة الدبابة يضرب أهدافه في حالات كثيرة بشكل مائل أو منحدر Obliquity . حيث تضرب أكثر الطلقات أهدافها بالزاوية التي تخفض الاختراق عادة . مع مدفع دبابة من عيار 105 ملم وذخيرة APDS على سبيل المثال ، فإن زوايا ميلان لنحو 25 درجة لها تأثير صغير ، لكن مع زوايا ميلان لأكثر من 45 درجة فإن قابلية الاختراق تنخفض كثيراً . لقد أثبتت الاختبارات أن قذيفة خارقة للدروع نابذة للكعب APDS من عيار 105 ململا تستطيع اختراق حائط إسمنتي مسلح بسماكة 5 سم بزاوية ميلان أعظم من 45 درجة بسبب الارتداد المحتمل . قضية أخرى تخص استخدام الأسلحة الرئيسة للدبابات ، تؤثر على تشغيلهما في التضاريس الحضرية ، وهي المتعلقة بزوايا الرفع والتخفيص لسبطانة السلاح الرئيس . فمدفع الدبابة M1A1 على سبيل المثال لا الحصر ، يمكن أن يرتفع +20 درجات أو ينخفض لنحو -10 درجات ، في حين أن مدفع الدبابة M60 يستطيع الارتفاع لنحو +19 درجات والانخفاض حتى -10 درجات ، أما الروسية T-72 فمستوى انخفاض السلاح الرئيس الأقصى gun depression يبلغ -5 درجات وارتفاعه +15 درجات .. حدود التحكم هذه تتسبب في الدبابة الأمريكية M1 على سبيل المثال لإيجاد مستوى تغطية رديءلحدود 10.8 م ، التي تعتبر فعلياً مسافة ميتة dead space حول دبابة الأبرامز . وعلى شارع بعرض 16 م (أرض مشاعة في أوروبا) يزداد هذا الفضاء الميت ويمتد إلى البنايات على كل من جانبي الطريق . بنفس الطريقة ، هناك منطقة أو نقطة فوقية سقفية لا يستطيع مدفع الدبابة الوصول لها والرمي عليها . هذا الفضاء الميت يوفر مواقع مثالية من أجل استخدام الأسلحة المضادة للدروع قصيرة المدى ، ويسمح لرماة العدو المتخفين بإطلاق النار على الدبابات عندما تكون هذه الأخيرة لا تستطيع الرد . على سبيل المثال مع مدفع دبابة M1A1 يستخدم مقذوفات نوع HEAT ، فإن على الدبابة الابتعاد لمسافة 2.5 م لإصابة هدف في الدور الأرضي ، ومسافة 23 م لإصابة هدف في الدور الثالث ، ومسافة 132 م لإصابة هدف في الدور الثامن عشر . وعندما ترفع دبابة M1A1 سبطانة مدفعها لحد 20 درجة تجاه مبنى مرتفع ، فإن قذائفها يمكن أن تبلغ ارتفاع 10 م عند إطلاقها من مسافة 30 م ، وارتفاع 20 م عند إطلاقها من مسافة 60 م ، وارتفاع 30 م عند إطلاقها من مسافة 90 م بعيداً عن الهدف .. وهكذا . الرمي المعادي من هذه المواقع أيضاً يعرض مناطق الدبابات الأكثر ضعفاً ، مثل الأجنحة ، المؤخرة ، وقمة السقف . لذا ، يحرص المشاة المرافقين للدبابات على الحركة والتقدم للأمام وعلى الجانبين بالإضافة للخلف من الدبابات لتوفير الحماية القَريبة .


وفي حين تستطيع المقذوفات الخارقة للدروع المثبتة بزعانف النابذة للكعب APFSDS اختراق عمق أكبر من التراكيب الإنشائية ، إلا أنها لا تستطيع إحداث ثقب بقطر كبير أو تزيح نفس القدر من التشظية وراء الهدف . وبالمقارنة مع القذائف شديدة الانفجار المضادة للدبابات HEAT ، فإن هذه الأخيرة أكثر فاعلية تجاه جدران البناء ، وهي قادرة بما فيه الكفاية لإزاحة تشظية كافية لإيقاع الإصابات والخسائر داخل المبنى المستهدف . مع ذلك ، حتى مع استخدام هذا النوع من الذخائر عيار 120 ملم ، فإن قذائف HEAT ربما لا تتمكن من قَطع جميع قضبان التدعيم الحديدية في الثقب المحدث ، التي تعمل في أغلب الأحيان على إعاقة الدخول خلال الفتحة الناتجة . أما بالنسبة لقذائف HEP عيار 105 ملم (اختصار البلاستيكية شديدة الانفجار) ، فإن هذه فعالة جداً ضد المباني والأهداف الخرسانية concrete targets . تحدث التأثيرات نتيجة صمام تفجير القذيفة الرئيس والكمية الكبيرة من المادة المتفجرة ، التي تستطيع هدم وتدمير الحواجز وإسقاط الجدران . إن قذيفة HEP واحدة قادرة على إحداث ثقب بقطر 30 سم في حائط إسمنتي مسلح بسماكة 18-20 سم . إن تأثيرات هذا النوع من الذخائر تجاه المخابئ والتحصينات الميدانية مثيرة ، هي قادرة في أغلب الأحيان سحق وتدمير كامل الجدران المصابة .

الدبابات تحتاج في الغالب لدعم مشاة عندما يتطلب الأمر تواجدهما معاً والعمل سوية كفريق مشترك . فبسبب الطبيعة المتغيرة وغير المتلازمة (وربما الفوضوية) للمعارك الحضرية ، فإن قوات عدو قَد تنتقل إلى المؤخرة أو أجنحة الدبابات المعزولة لمهاجمتها وتدميرها . كما يمكن لهذه القوات التقرب من أهدافها من الأعلى أو من المؤخرة وتوجيه أسلحتها المضادة للدروع .. لذا ، قادة العربات المهاجمة يجب أن يكونوا يقظين دائماً . فالقائد المحنك لا يترك دباباته تتقدم بدون دعم وإسناد أفراد المشاة ، فهذه الأسلحة لم تهيأ لتوفير أمنها الشخصي بالقدر الكافي أثناء العمليات في التضاريس الحضرية . فهي عرضة (أي الدبابات) جداً للهجمات المرتجلة dismounted attacks عند التشغيل في البيئات ذات الكثافة الإنشائية . هي أيضاً ضعيفة جداً وتحتاج لتأمين حمايتها وسلامتها متى ما تولى المشاة المرافقين الانصراف عنها لتطهير المباني المجاورة . الدبابات يجب أن تبقى ثابتة لفترات طويلة نسبياً ، مما يسمح بتهديدات الفرق المضادة للدروع والقيام بالمناورة والانتقال إلى مواقع بديلة ذات أفضلية في الهجوم . قادة الدبابات أو سائقيها قد يحتاجون في ظروف خاصة للترجل عن عرباتهم لمعاينة الطريق مثلاً ، لذا ومع الضوضاء الحادة لساحة المعركة ، هؤلاء يجب أن يعوا ويدركوا الإشارات اليدوية للبدء ، الانتقال ، أو رفع النيران . وهنا تبرز أحد العقبات الرئيسة للتنسيق والقيادة والسيطرة (قد يضطر أطقم الدبابات لاستخدام الإشارات اللاشفهية أو غير اللفظية nonverbal signals البسيطة) .


في المقابل ، تستطيع فرق القوات المتخصصة التحرك خلسة وبشكل مستتر إلى مواقع الاشتباك والكمائن دون إنذار العدو (منظومات التصوير الحرارية thermal sights المثبتة على الدبابات ، يمكن أن تكشف نشاط وحركة أفراد العدو خلال الظلام والدخان ، بحيث تقيد القابليات والقدرات الفعلية لأفضل فرق الأفراد تجهيزاً) . فهم يستطيعون التقدم فوق أو حول أكثر أنماط التضاريس الحضرية بسهولة نسبية ، وبغض النظر عن حجم الأضرار الملحقة بالمباني المتوافرة . هم يمتلكون رؤية جيدة وأكثر إحاطة لساحة المعركة all-round vision ، ويمكن أن يشغلوا أهدافهم بنيران أسلحتهم الخفيفة تحت جميع الظروف تقريباً .

26‏/7‏/2012

مذهب الحرب المدرعة وقانون لانشستر التربيعي ..


الحرب المدرعة Armoured warfare أو معارك الدبابات ، هي مصطلح يرتبط بالتكتيكات وفن استخدام عربات القتال المدرعة بكافة أصنافها في الحرب البرية الحديثة . هي مكون رئيس لإحدى طرق إدارة الحرب الحديثة ، حيث يستند المفهوم على فرضية قدرة القوات المدرعة على تحقيق اختراقات في خطوط العدو الدفاعية defensive lines عبر استخدام المناورة بالوحدات المدرعة لتجاوز استحكاماته الحصينة . يعتمد معظم تطبيقِ الحرب المدرعة على استخدام الدبابات والعربات الأخرى ذات العلاقة بالتزامن مع أسلحة الدعم والإسناد الأخرى ، مثل عربات المشاة القتالية والمدفعية ذاتية الحركية self-propelled artillery وسلاح المهندسين ، بالإضافة إلى وحدات الدعم الأخرى . لقد طور مذهب الحرب المدرعة لكسر الطبيعة الساكنة والجامدة لحرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى على الجبهة الغربية ، حيث دعت الأفكار الجديدة آنذاك للمناورة وتحقيق "المعركة الحاسمة" decisive battle . لقد أنجز الفرسان الذين امتطوا صهوات الأحصنة الدور الذي تنجزه الآن الدبابات ، فحققوا في هذه الحرب مفهوم المناورة maneuvering واخترقوا مواضع المشاة المعادية وهاجموا خطوط اتصاله في المؤخرة . لكن دخول الرشاشات لساحة المعركة ، أضعف كثيراً من هذا الدور ، وبدأت الخسائر البشرية تقلق المخططين والقادة الميدانيين على حد سواء .


بدأت الحرب المدرعة الحديثة بالحاجة لتجاوز حالة الجمود للعمليات التكتيكية والإستراتيجية المفروضة على القادة الميدانيين في الجبهة الغربية ، وتخطي مواضع المشاة الدفاعية المحصنة والمجهزة بأسلحة آلية خاصة بحرب الخنادق trench warfare . تحت هذه الظروف ، أي نوع من التقدم كان بطيء الخطوات ، مع معدل إصابات مرتفع جداً . تطوير الدبابة كان مدفوعاً بالحاجة لإرجاع المناورة إلى الحرب ، والطريق الوحيد لعمل ذلك كان يتمثل في حماية الجنود من نيران الأسلحة الخفيفة بينما هم يتقدمون . مع ذلك الاستخدام الإستراتيجي للدبابات كان بطيء التطوير والظهور أثناء الحرب العالمية الأولى ومباشرة بعد أعقابها ، ربما إلى حد ما بسبب التقييدات التقنية technical limitations وكذلك بسبب الدور التقليدي لسلاح الفرسان . الدبابات كانت طورت أولاً في بريطانيا ، للتنقل وتجاوز الأسلاك الشائكة والعقبات الأخرى في الأرض المحايدة ، بينما تكون محمية من نيران الرشاشات . وقد ساهمت قابليتها على المناورة في استعادة قدرات الجيوش على الإحاطة بخطوط العدو . مع ذلك الدبابات خلال أغلب مراحل الحرب العالمية الأولى أعيقت وقيد استخدامها بالأعطال الميكانيكية ، الأعداد محدودة ، وسوء الاستخدام العام .

الدبابات البريطانية Mark I دخلت المعركة لتنفيذ أولى عملياتها خلال معركة Somme في 15 سبتمبر العام 1916 ، لكنها لم تستطع كسر جمود حرب الخنادق . لكن في معركة Cambrai العام 1917 ، استطاعت الدبابات البريطانية أن تكون أكثر نجاحاً ، بحيث استطاعت تحطيم منظومة الخنادق الألمانية الدفاعية المدعوة "خط هايدنبرغ" Hindenburg Line . وبعد الهجوم الألمانيِ النهائي الكارثي ، استخدمت الدبابات مرة أخرى في معركة Soissons ومعركة Amiens ، التي أنهت حالة الجمود المفروضة من قبل تكتيكات حرب الخنادق على الجبهة الغربية ، وهكذا عملياً انتهت الحرب . بعد الحرب العالمية الأولى ، أصبحت السمات التقنية والمذهبية للحرب المدرعة أكثر تطوراً وتباعداً بالنسبة للمدارس المتعددة التي ظهرت في الساحة الأوربية آنذاك .


في الحقيقة مذهب الحرب المدرعة الحديثة طور أثناء السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية مباشرة ، ففي حالات كثيرة نظر للدبابة على أنها سلاح دعم للمشاة ذو دور فعال في اختراق خطوط الدفاع المعادية . المنظرين رأوا أن المفتاح الأساس للاستثمار في الحرب التقليدية يكون بتركيز القوة وحشدها في نقطة معينة على خط دفاع العدو (التطوير المركزي للجهد) هذه رأت إما كضعيفة أو عرضت فوائد إستراتيجية أو عملياتية أو تكتيكية أخرى .. تركيز القوة force Concentration يزيد من فرص واحتمالات النصر في اشتباك معين خلال تطبيق أحد مبادئ التحشيد في الحرب . هذه النقطة ، إذا تم اختيارها واستغلالها بشكل صحيح ، فإنها تضمن فرصة أعظم للنجاح في اشتباك تكتيكي ممنوح أو عدد صغير من الاشتباكات العملياتية operational engagements التي تكون كافية في أغلب الأحيان للفوز وكسب معركة إستراتيجية حاسمة .. هذه يمكن أن تصور عند النظر إلى خطي مقاومة دفاعيين ، كل منهما متكون من كتيبتي مشاة وفرقتين مدرعتين ، وزعت بتناسق على طول الخط الدفاعي . أي مهاجم مكافئ ومساو بشكل عددي يمكن أن يكسب بتركيز فرقتيه المدرعة armoured divisions في نقطة محددة من الخط مع كتيبتي مشاته التي تتحفظ على بقية الخط ، هكذا تزيد وتتضاعف فرصة اختراق دفاعات العدو ثم العبور خلالها ، بحيث تنعطف القوات الصديقة حول جناح النصفان المقطوعان للخط الدفاعي ، وتستغلان التفوق العددي لأبعد حد ضد العدد الأقل للمدافعين على الجناح لإجبارهم على التراجع في الجزء السليم للخط الدفاعي ، ومن ثم توسيع فجوة الاختراق .. الخط الدفاعي يمكن أن يحاول القيام بهجوم مضاد counterattack لكنه ليس قوي بأي نقطة . فعلى الرغم من أن قوات المشاة المشاركة وهجمات القوات المدرعة للمدافعين ستكون بالتأكيد أقوى وأكثر فاعلية من هجمات المشاة بمفردهم ، إلا أنها في الحقيقة ليس قوية بما فيه الكفاية (نتيجة انتشار القوات المقاتلة على كامل طول الخط) ، وهي بشكل عام أسهل كثيراً للدفاع منها للهجوم بسبب عامل الاستحكامات الميدانية والهندسة الميدانية التي يتطلبها التحضير والاستعداد للهجمات المضادة .


يستخدم منظرو ومحللو الحرب المدرعة الحديثة صيغة سهلة لدراسة نتائج الاشتباكات بالأسلحة النارية المباشرة ، يطلق عليها قانون لانشستر التربيعي Lanchester's Square Law . وقانون‏ لانشستر هذا بشكله العام عبارة عن مجموعة صيغ رياضية تستخدم في ميدان التكتيك العسكري لحساب زمن المعركة والخسائر النسبية في حالات قتالية معينة ضمن معادلات تفاضلية differential equations (توفير صورة أكثر عمقاً لنتائج أنشطة قتالية مختلفة) . لقد تم وضع هذه المعادلات عن طريق المهندس البريطاني Frederick Lanchester الذي قام خلال الحرب العالمية الأولى وتحديداً العام 1916 بتحليل صور القتال المختلفة التي تمت خلال المعارك والعمليات ، في محاولة منه لفهم العلاقة التي تربط بين حجم القوات المقاتلة من حيث تنظيمها وتسليحها وكفاءتها القتالية وبين احتمالات النصر الممكنة .. فمع أسلحة نارية تشاغل بعضها البعض مباشرة بالنار المصوبة من مسافة ممتدة ، فإنها تستطيع مهاجمة أهداف متعددة في ذات الوقت الذي تتلقى فيه نيران مضادة من اتجاهات مختلفة . وتعتمد نسبة الاستنزاف attrition rate على عدد الأسلحة التي تطلق نيرانها . قرر لانشستر بأن قابلية وقدرة مثل هذه القوة نسبي ليس لعدد الوحدات التي تمتلكها ، لكن إلى مربع عدد الوحدات ، وهذا الذي عرف بقانون لانشستر التربيعي .. ولمزيد من التوضيح نقول أن القانون يحدد ويميز الخسائر الناتجة عن قوة نيران مسددة خلال فترة زمنية معينة ، نسبة إلى تلك الموجهة من قبل قوة الخصم المقابلة . وفي شكله الأساسي فإن القانون مفيد فقط لتوقع نتائج الإصابات والخسائر خلال عمليات الاستنزاف . ويتعامل القانون مع فرضية أن الخسائر casualties تعزز وتتصاعد بمرور الوقت ، لكنه لا يتعامل مع الحالات التي تقتل فيها القوات المتقابلة بعضها البعض فوراً ، إما بإطلاق النار بشكل آني وفي وقت واحد ، أو من قبل طرف واحد يحصل على الرمية الأولى ويوقع خسائر متعددة .

ينطلق قانون لانشستر العام في تحليله من قاعدتين رئيستين ، الأولى هي قانون لانشستر التربيعي والثانية قانون لانشستر الخطي . القانون التربيعي الأول Square Law يتناول مبدأ النيران المصوبة بشكل مباشر ، بحيث يصف الحالة والموقف لحظة تهديف مطلق النار وتصويبه نحو عدوه بشكل مباشر . فإذا دمر ذلك العدو ، فإن الرامي يحرك سبطانة سلاحه باتجاه هدف جديد .. وهكذا تتم إبادة الأهداف تباعاً ، للحد الذي تصبح معه قوته النارية أكثر تركيزاً على تلك الأهداف التي لا تزال باقية دون إخماد . القانون الثاني الخطي Linear Law وعلى النقيض من سابقه يتناول النيران غير المباشرة والتصويب نحو منطقة يتواجد بها العدو . فعند التحول لتكتيك النيران غير المباشرة unaimed fire , فإن الرامي يطلق النار على منطقة يعتقد تمركز وتواجد قوات العدو فيها . إن الاختلاف الأساس بين هذا النمط والتصويب المباشر هو أن السلاح هنا حتى إذا دمر هدفاً معادياً ، فإن نيرانه تبقى موجهة نحو منطقة كاملة ، فليس هناك تركيز مطابق ومتوافق من القوة النارية لضرب الأهداف المعادية (في العديد من الحالات ، السلاح أو المدفع لن يعرف في الحقيقة إذا كان أصاب هدفه بالفعل أم لا) .


قانون لانشستر التربيعي الذي يعتبر سمة رئيسة في الحرب الحديثة ، يرى أن قوة قتالية نسبية relative combat power لوحدة مقاتلة ، في حالة اتصال واحتكاك مع قوة قتالية نسبية أخرى معادية بحجم معطى ومعلوم ، ومع تساوي جميع العوامل الأخرى ، فإن مربع الأعداد لهذه الأطراف أو أعضاء تلك الوحدة سيكون كالتالي :

· دبابة واحدة سيكون لها بشكل واضح قوة قتالية مماثلة لدبابة مفردة (1 ² = 1)
· دبابتان يكون لهما أربعة أضعاف القوة القتالية النسبية لدبابة مفردة (2 ² = 4)

من هذه المعادلة يمكن استنتاج أن مضاعفة عدد الدبابات سيربع نسبياً القوة النارية (هذا قريب لمقدار وحجم قوة النار التي يخصصها العدو لكل عضو من الوحدة الصديقة ، ويمكن التعبير عن هذا الأمر وتصويره بالقول بأن ردة فعلهم النسبية تجاه إجراءات العدو تنخفض أربعة مرات) كما أن ليس فقط عددهم الخاص المطلق سيتضاعف doubled ، بل أن عدد دبابات العدو نسبة إلى كل ما يملكون سيكون منصف أيضاً .. هكذا ، فإن تركيز وحشد فرقتين في نقطة واحدة والمهاجمة بعد ذلك ، يولد قوة أعظم جداً من تلك المنجزة بانتشار وتوزيع الفرقتين على خط طويل والدفع بهما للأمام على جبهة واسعة . إن تركيز وتحشيد القوة force Concentration يتطلب قابلية حركة لمنع العدو من اكتشاف نقطة الهجوم في الوقت المناسب وبالتالي تعزيز وتدعيم وحداته الدفاعية ، وتمتلك دبابة المعركة الرئيسة هاتان الميزتان (الحشد والحركية) ، حيث تدمج هذه الملكيات ضمن خواصها الطبيعية ، لذا هي تشكل السلاح الرئيس في الحرب المدرعة الحديثة armoured warfare .

25‏/7‏/2012

منظومات إطفاء النيران .. خط الدفاع الأخير عن العربة المصابة .


يصف أحد المشاركين في عملية عاصفة الصحراء ، وهو اللواء الجنرال Robert Scales أحداث هجوم ليلي على مواقع عراقية في أقصى الجنوب ، مدافع عنها من قبل قوات تابعة لفرقة توكلنا على الله العراقية Tawakalna الملحقة بقوات الحرس الجمهوري . القوة العراقية كانت مجهزة بدبابات T-72 في وضع البدن المخفي وكذلك عربات مدرعة قتالية من طراز BMP . الهجوم الذي حدث قبل منتصف ليل 26 فبراير 1991 ، تولته دبابات M1A1 HA كانت تعود في تبعيتها إلى الفرقة المدرعة الأولى الأمريكية ، عندما ضربت إحدى الدبابات (B-23) على الأقل بقذيفتين .الدبابة كما أظهرت المعاينة الميدانية ضربت من الخلف ، ويظهر ملخص رسمي حجم الضرر الملحق بالدبابة أبرامز B-23 ، حيث يتحدث التقرير بالتفصيل عن حادثة القذيفتان اللتان ضربتا الدبابة على التوالي . أولهم سلاح شحنة مشكلة ناتج ربما عن رأس حربي لقذيفة AGM-114 Hellfire ارتطم بالباب الخلفي لمدخل المحرك . بدأت النيران الانتشار في مقصورة المحرك حتى أطفأت آلياً من قبل قناني إخماد نظام Halon الداخلي . مبدئياً لم تكن هناك إصابات بشرية ، إلا أن محرك الدبابة توقف عن العمل والطاقم حاول مغادرة البرج من جهة الجانب الأيمن ، في حين الدخان كان ما يزال ينبعث من مقصورة المحرك engine compartment . قرار فوري اتخذ لإخلاء الدبابة في ذلك الوقت ، لتضرب قذيفة ثانية "مجهولة" الدبابة من جديد وتتسبب في أضرار هائلة كما وصف التقرير . اخترقت القذيفة مؤخرة الدبابة ، وأسقطت الملقم على أرضية البرج . ومع لحظة سقوطه ، صدمت ركبته حلقة البرج ، وتسببت في حدوث كدمة والتواء حاد في الركبة . لقد كان الملقم العضو الوحيد من أفراد الطاقم الذي جرح في هذا الاشتباك . النيران الناتجة تسببت في حدوث حريق هائل catastrophic fire في الهيكل ، وصهرت بالكامل نظام التعليق الخاص بالدبابة . لقد تحملت الدبابة B-23 الحرارة وأضرار النيران بعد دفع وإرغام نظام الإطفاء الآلي للعمل سريعاً وكما هو مصمم له . ورغم هول الهجوم إلا أنه لم تكن هناك أضرار باليستية ballistic damage داخل برج الدبابة المصابة نتيجة النيران العدائية (يعتقد أن دبابة T-72عراقية هي من كانت خلف الهجوم) . كما يذكر التقرير أيضاً أن وقت الحادث ، حجبت الغيوم والأمطار الغزيرة رؤية ساحة المعركة لنحو كبير .


من أبرز الاهتمامات لدي الخبراء عند تصميم العربات العسكرية القتالية ، هو موضوع زيادة قابلية بقاء ونجاة هذه العربات survivability وحماية أطقمها عند تعرضها للهجوم . وعند تلك الحدود ، تبرز أحد أهم تلك الإخطار بالنسبة للطاقم ، التي تتركز حول خطر اشتعال النيران في مقصورتهم ، والناتجة عند اختراق قذيفة معادية لهيكل العربة . فبالإضافة إلى خطر النيران المباشر على الطاقم ، هناك خطر اشتعال السوائل الهيدروليكية ودوافع الذخيرة ، الذي بالتأكيد في حال حدوثها ، فإنها ستنتج تأثيرات كارثية مهلكة . لهذه الأسباب ، تزود كافة دبابات المعركة الحديثة ، بنظام إخماد سلبي فعال ، خاص بالإطفاء الآلي للنيران ، يطلق عليها Automatic Fire Extinguishing system أو اختصاراً SAFE ، يضطلع بمهمة إحاطة غرفة الطاقم والمحرك بمادة الإطفاء عندما ترصد مجساتها النيران .


منظومات إطفاء النيران في العربات المدرعة رصدت منذ فترة طويلة ولعقود من الزمن . ومرت كلتا الأجهزة ووسائط الإخماد بالتحسينات الثابتة على مدى الوقت ، حيث شملت الأنظمة السابقة ، خلال الحرب العالمية الثانية ، طفايات نيران متنقلة portable fire extinguisher ، التي كانت توجه نحو مصدر النار مباشرة ، ويتم تشغيلها من قبل أفراد الطاقم . استخدام مطفأة الحريق النقالة غير مؤثر عادة على النيران الممتدة (مثال على ذلك نيران الوقود في العربة) وتعرض مستخدميها للخطر . وهكذا بدا أن الطريقة الفضلى لإطفاء موضع نيران مشتعل ، تكمن في استخدام منظومات إطفاء بالتنشيط البعيد ، لإشباع وغمر المقصورة المصابة وإطفاء الحريق . أنظمة الإشباع والغمر الثابتة تصمم لإطفاء مجمل النيران في المقصورة ، وتبقي على جو خامد وغير مفعّل لفترة زمنية بعد التنشيط . ويتم تثبيت الطفايات في موضع داخلي وخارجي سهل في العربة ، بحيث يتيح الأمر وصول سريع ومبكر للطاقم عند الضرورة . هذا النوع من الأنظمة كان قيد الاستخدام لحجرات محرك العربات المقاتلة منذ الخمسينات .


تتألف أنظمة الإطفاء الحديثة من مجموعتين ، أحدهما لمكافحة الحريق والإنفجارات في حجرة القتال ، والأخرى لإطفاء الحريق في حجرة المحرك ، وفي كل قسم ثلاث مجموعات عمل رئيسة هي : المجسات ووحدة السيطرة والتحكم مع دوائر التشغيل وأخيراً قوارير المادة المطفئة . وتتميز هذه جميعاً بقدرتها على تحمل الحرارة والاهتزاز . أما عن مبدأ عمل النظام ، فلقد أثبتت التجارب العملية ، إن إصابة الهدف المدرع بقذيفة شحنة مشكلة Shaped Charge يمكن أن يؤدي لخروج الزيت والوقود والسوائل القابلة للاشتعال ، وانتشارها على صورة رذاذ يختلط مع الهواء ، ليشكل خليط قابل للانفجار (بينما قَد تكون هناك أهداف قليلة جداً قابلة للاشتعال في مقصورة الطاقم , فإن ضربة مباشرة على خزان هيدروليكي hydraulic reservoir ستؤدي إلى نار هائلة) .


عائق رئيس إلى أنظمة الإطفاء المبكرة كان ذلك المتعلق بحقيقة أن كشف النيران كان يعتمد بالدرجة الأولى على الطاقم أو الأفراد الآخرين المتواجدين على مقربة من العربة . فإذا ما اشتعلت النيران لفترة أطول دون اكتشاف أمرها (وأعطيت وقوداً وأوكسجيناً كافياً) فإن الحريق الناتج قد يكون سريعاً خارج نطاق السيطرة .أثناء السنوات العشرون الماضية ، بحوث كثيرة وجهت نحو تطوير مجسات كشف النيران detection sensors للاستخدام في العربات المقاتلة . العقبات الأساسية التي رافقت عمليات التطوير ، ارتبطت بتطوير أنماط من المجسات صغيرة الحجم ، قادرة على العمل في بيئات العربة شديدة القسوة وإزالة الإنذارات الكاذبة false alarms ، كما هو الحال مع المحفزات المشتركة مثل أعواد الثقاب ، المصابيح الكاشفة ، نور شمس .

تعمل معظم مجسات النيران على مبادئ مختلفة ، النمطان الاثنان الأكثر شيوعاً هما اللاقطات البصرية والحرارية . المجسات البصرية تكتشف وترصد النيران بتحسس الإشعاعات البصرية الصادرة (مرئية visible ، فوق البنفسجية ultraviolet ، و/أو تحت الحمراء infrared) . المجسات الحرارية تكتشف النيران من خلال التحسس الحراري عن طريق خاصية النقل الحراري للمجس (سلك نحاسي مثلاً) .أي مصدر تسخين بدرجة حرارة ملائمة سوف ينشط ويحفز المجس الحراري . المجسات البصرية لها فائدة وميزة ردة الفعل السريعة (5 أجزاء من الألف من الثانية للمجسات البصرية ، مقابل 5 إلى 10 ثواني للمجسات الحرارية) ، بينما تتميز استجابة المجسات الحرارية بعدم تأثرها بالبيئات الملوثة .في حالة نظام آلي للإطفاء ، يستخدم مجسات بصرية حديثة للكشف ، فإن الوقت من زمن الشروع وبدء النيران وحتى لحظة إطلاق مادة الإخماد ، يمكن أن تكون قصيرة لنحو 100 جزء من الألف من الثانية . سرعة الاستجابة وردة الفعل هذه كافية لحد إطفاء نيران خزان الوقود fuel tank (بعد اختراقه من قبل قذيفة ما) قبل الوصول لمرحلة الانفجار ، وتكون النيران مطفئة قبل أي ضرر إلى الأفراد والتجهيزات .وفي الحقيقة فإن مثل هذه الأنظمة ، تعزز من إمكانيات بقاء المركبة وتقلل من احتمالات خسارتها ، كما تحسن من الروح المعنوية والقتالية للأطقم ، عن طريق تفعيل فكرة النجاةبعد الإصابة . وحالياً فإن نظام الرصد البصري يستخدم في إما مقصورة الطاقم أو محرك العربة ، حيث تجهز هذه الأنظمة في الوقت الراهن مقصورات الطاقم والمحرك الخاصة بدبابات M1 Abrams الأمريكية ، وكذلك العربات M2/M3 Bradley.. وغيرها من العربات المدرعة الأخرى (الدبابات الروسية من الفئة الأحدث والمطورة أمثال T-90/T72 ، تستخدم نظام RADUGA-2 للإطفاء الآلي ، الذي يستخدم مجسات بصرية optical sensors لكشف الارتفاع الخطر والمتطرف لدرجة الحرارة ، ليعمل بعد ذلك خلال 150 جزء من الألف من الثانية على منع إيقاد مخزون الذخيرة الداخلي) .


في حالة استخدام النظام الآلي لسلك تحسس حراري hot wire sensor ، فإن الوقت من شروع النيران ومرحلة إطلاق مادة الإخماد يمكن أن تكون قصيرة ولنحو 5 ثوان فقط ، وهذه سريعة بما فيه الكفاية لتحقيق الضرر الأدنى لمكونات وتجهيزات العربة .على أية حال ، تعتبر هذه المدة الزمنية طويلة نسبياً فيما يتعلق بطاقم العربة ، حيث يمكن أن تتسبب في حروق من الدرجة الثانية ومن الدرجة الثالثة ، تحدث في أقل من ثانية واحدة .

وتكمن الفكرة الرئيسة في تجنب الوصول لمرحلة "نقطة الوميض" أو flash point . ونقطة الوميض لسائل سريع الاشتعال ، هي أدنى درجة حرارة يمكن أن يتشكل عندها بخار الوقود لتوفير مزيج مناسب مع الهواء يكون قابل للاشتعال . وعند درجة الحرارة هذه يمكن إيقاف أو تجنب اشتعال البخار بعد إبعاد أو إزاحة مصدر الإيقاد (لا يتعلق الأمر بدرجة حرارة مصدر الإشعال أو السائل المحترق ، التي تكون أعلى من ذلك بكثير) . تستخدم نقطة الوميض كثيراً كسمة توصيف للوقود السائل ، ولكنها تستخدم أيضاً لوصف السوائل التي قد تكون عرضة لخطر الاشتعال (بمعنى تلك التي لا توصف تلقائياً كوقود) . فلكل سائل سريع الاشتعال ضغط بخار vapour pressure ، الذي يتبع درجة حرارة ذلك السائل . وعند ارتفاع درجة الحرارة ، فإن ضغط البخار يزداد ، ومع زيادة ضغط البخار ، فإن تركيز بخار السائل القابل للاشتعال في الهواء يزداد أيضاً . لذلك ، تقرر درجة الحرارة نسبة تركيز بخار السائل القابل للاشتعال في الهواء . وبشكل عام ، تتطلب السوائل المختلفة القابلة للاشتعال flammable ، تركيز مختلف في الهواء لدعم وإسناد عملية الاحتراق .